بين بهجة رمضان وغصة الكارثة.. هكذا يعيش المتضررون من الزلزال في مناطق النظام السوري

لقطة للمكان الذي اختاره الأهالي المنكوبين في الحي ليكون مكانا لنصب خيمهم (عدسة المراسل أرشيف)
لقطة للمكان الذي اختاره الأهالي المنكوبون جراء زلزال سوريا في أحد الأحياء لنصب خيمهم (الجزيرة)

"مضى على وجودي وزوجتي وأولادي في هذا المأوى شهر و12 يوما، واجهنا خلالها أسوأ أيام حياتنا، فبعد أن فقدنا منزلنا وأحباءنا وحياتنا الطبيعية أتينا إلى هذا المكان الذي ينقصه كل شيء ونشعر فيه بأننا غرباء، لكن نتمنى أن يكون رمضان شهر خير علينا نبدأ معه بداية جديدة".

بهذه العبارة يختزل غيث (42 عاما)، أحد المتضررين من الزلزال في اللاذقية، حالة أسرته التي لجأت إلى مركز للإيواء في المدينة بعد انهيار منزلهم إثر الزلزال المدمر الذي ضرب سوريا وتركيا في السادس من فبراير/شباط الماضي.

ولا يزال الإحباط مسيطرا على أفراد عائلة غيث في ظل تفكيرهم بمستقبل مجهول ينتظرهم بعد خسارتهم لمنزلهم ومقتنياتهم، ومعاناتهم المستمرة من نقص الاحتياجات في مركز الإيواء الذي لجؤوا إليه في اللاذقية، وعلى الرغم من ذلك يأمل أفراد العائلة أن يحمل الشهر الفضيل لهم ما قد يعينهم على البدء من جديد.

وإلى جانب عائلة غيث، تعاني مئات العائلات المنكوبة من الزلزال في مناطق سيطرة النظام من نقص في الاحتياجات الأساسية مع حلول شهر رمضان المبارك.

لقطة من مركز إيواء في اللاذقية (مواقع التواصل)
لقطة من مركز إيواء للمتضررين من الزلزال في اللاذقية (مواقع التواصل الاجتماعي)

احتياجات مضاعفة في رمضان

وتنشأ لدى معظم الأسر المتضررة من الزلزال في محافظات اللاذقية وحماة وحلب احتياجات مضاعفة مع حلول الشهر الفضيل، لا سيما العائلات التي التجأت إلى مراكز الإيواء التي جهزتها حكومة النظام لاستقبالهم منذ الأيام الأولى التي أعقبت الزلزال.

ويقول زهير (39 عاما)، أحد المتضررين من الزلزال في حلب، للجزيرة نت، "يحل علينا شهر رمضان هنا في المأوى حيث سوء المرافق العامة، والانقطاع الطويل للكهرباء، وشح الماء، وسوء الخدمات والتنظيم. إننا بالمختصر قد لا نجد ما يعيننا على صيام الشهر الفضيل".

ويضيف "كيف لنا أن نقضي صيامنا إن لم يوفروا لنا حاجتنا من المياه، ويصلحوا المرافق الضرورية، ويزيدوا حصص الطعام والأغذية، ويسمحوا للمتبرعين بإيصال تبرعاتهم بأنفسهم إلينا؟".

وعلى الرغم من وصول مئات الأطنان من المساعدات الإنسانية إلى مناطق سيطرة النظام منذ صباح السابع من فبراير/شباط الماضي، فإن مسؤولة برامج التغذية في مديرية الصحة في اللاذقية سهام مصطفى أشارت -في حديث لشبكة "غلوبال" المحلية مطلع الشهر الجاري- إلى أن فرق التغذية سجلت العديد من حالات سوء التغذية لدى الحوامل والمرضعات والأطفال في مراكز الإيواء في اللاذقية.

شكاوى

ورصدت تقارير صحفية، منذ الأيام الأولى لكارثة الزلزال المدمر، حالات عدة لسرقة المساعدات في مختلف المحافظات المنكوبة التابعة لسيطرة النظام وعرضها للبيع في محال وبسطات في مناطق متفرقة بدلا من إيصالها إلى المتضررين.

ونقلت صحيفة الوطن شبه الرسمية، الأحد الماضي، شكاوى عن عدد من المقيمين في مراكز الإيواء في منطقة الغاب بمحافظة حماة تفيد بعدم توزيع سلال المواد الغذائية والألبسة والبطانيات عليهم، إلى جانب شح الخدمات الطبية ضمن المراكز، والازدحام على المرافق الحيوية "الحمامات" على نحو أثر سلبا على النظافة العامة للأفراد فيها.

وتحتاج الأسر المتضررة من الزلزال في المحافظات المنكوبة إلى مختلف أنواع المساعدات الغذائية والإنسانية في ظل تردّي الأوضاع المعيشية في البلاد، وارتفاع أسعار معظم السلع مع حلول شهر رمضان الكريم.

وكانت إحصائية أجرتها محافظة اللاذقية الأسبوع الماضي كشفت أن 72 ألف أسرة تضررت بفعل الزلزال، بينها 200 أسرة تتوزع على 24 مركز إيواء ضمن المحافظة.

كما كشف محافظ حلب حسين دياب، في 16 مارس/آذار الجاري، أن أعداد الأسر المتضررة التي التجأت إلى مراكز الإيواء في محافظة حلب بلغت 10 آلاف و968 أسرة، تضم 48 ألفا و431 شخصا من الرجال والنساء والأطفال.

وبيّن تقرير للأمم المتحدة في 10 فبراير/شباط الماضي أن أعداد السوريين المتضررين من الزلزال بلغت نحو 5.3 ملايين متضرر.

وعادت المنظمة لتؤكد في تقرير منفصل، في الثاني من مارس/آذار الجاري، أن الإغاثة الفورية غير ناجعة في إعانة العائلات المتضررة على المدى البعيد في سوريا، وأن من الضروري العمل على توفير خدمات أساسية كالمياه الصالحة للشرب، والصرف الصحي، والرعاية الصحية، والدعم النفسي والاجتماعي للمتضررين.

لقطة للمكان الذي اختاره الأهالي المنكوبين في الحي ليكون مكانا لنصب خيمهم (عدسة المراسل أرشيف) _(1)_
تقرير للأمم المتحدة بيّن أن أعداد السوريين المتضررين من الزلزال بلغت نحو 5.3 ملايين متضرر (الجزيرة)

بارقة أمل

ولم تثن الاستجابة الرسمية المتواضعة وضيق الأفق أمام السوريين المتضررين من الزلزال البعض عن السعي خلال الشهر المبارك لتحسين أوضاعهم في المساكن البديلة ومراكز الإيواء عبر التكافل، والعمل بوظائف إضافية، والاستفادة من مختلف المبادرات الهادفة إلى مساندتهم وتحسين أحوالهم.

تقول أم يوسف (32 عاما)، أرملة متضررة من الزلزال في مدينة حلب ووافدة إلى دمشق، للجزيرة نت، "قصدت وأولادي بيت أخي في دمشق بعد أن ثبت أن شقتنا لم تعد قابلة للسكن بسبب التصدعات، وبعد مضي شهر على استضافتي في منزل أخي شعرت بأنني أشكل عبئا عليه، ومع اقتراب شهر رمضان كان لا بد لي من البحث عن عمل والانتقال إلى مكان إقامة جديد".

وتقول السيدة الثلاثينية إنها نشرت قصتها على إحدى المجموعات في فيسبوك، ولم تكد تمضي أيام حتى تواصل معها أحد ملاك العقارات في دمشق ليمنحها شقة صغيرة لمدة 6 أشهر ريثما ترتب أوضاعها لتتمكن لاحقا من دفع الإيجار.

وتمكنت أم يوسف من إيجاد عمل في أحد محال بيع الألبسة في ريف دمشق، وتقول "عندما علم صاحب العمل بالضرر الذي لحق بي بسبب الزلزال منحني مبلغا من المال إضافة إلى راتبي، وقبيل شهر رمضان قام بصرف راتبين لي بدلا من الراتب مشكورا".

وإلى جانب المبادرات الفردية التي يقوم بها سوريون تجاه المتضررين من الزلزال مع حلول الشهر المبارك، تسعى فرق تطوعية في دمشق وحلب وغيرها من مناطق سيطرة النظام إلى إحياء مبادرات رمضانية في أول أيام الشهر الفضيل ﻹعانة الشرائح الأكثر فقرا واحتياجا بمن في ذلك المتضررون من الزلزال.

وأطلق فريق "تكاتف" التطوعي فعالية "سكبة رمضان" الخيرية لإعداد وجبات الإفطار وتوزيعها على الفقراء والمحتاجين، بينما أعلنت منظمة "فرونت لاين للتغيير" قبيل رمضان اكتمال التجهيزات لمطبخها الرمضاني الذي باشر عمله مع حلول الشهر الفضيل.

المصدر : الجزيرة + مواقع التواصل الاجتماعي