عادات رياضية رمضانية تنعش كورنيش غزة وملاعب الخماسي

كورنيش بحر غزة يزداد نشاطاً وإقبالاً خلال شهر رمضان-رائد موسى-الجزيرة نت
كورنيش بحر غزة يزداد نشاطا وإقبالا خلال شهر رمضان (الجزيرة)

غزة- "هل لك أن تتخيل غزة من غير بحر؟"، يتساءل محمد حمودة ولا ينتظر إجابة يدركها ويعايشها: ستكون مجرّد منطقة صغيرة محاصرة ومنزوعة الروح.

البحر بالنسبة لنحو مليوني غزي هو المتنفس الوحيد في هذا الجيب الساحلي الضيق والصغير، الممتد على نحو 40 كيلومترا، وبعرض يتراوح بين 9 و12 كيلومترا، تحيط به الأسلاك الشائكة شمالاً وجنوباً وشرقاً، باستثناء الغرب البحري.

لا تتوقف الحركة على "كورنيش" بحر غزة، صيفاً وشتاءً، وتزداد نشاطاً في شهر رمضان المبارك، مع ممارسة طقوس اجتماعية وشاطئية تمزج بين البحر والأجواء الرمضانية.

الحياة تدب في بحر غزة مع انحسار موجة البرد وحلول شهر رمضان المبارك-رائد موسى-الجزيرة نت
الحياة تدب في بحر غزة مع انحسار موجة البرد وحلول شهر رمضان المبارك (الجزيرة)

صحة نفسية وجسدية

لحمودة (34 عاما) طقس رمضاني يحافظ عليه منذ سنوات، يشاركه فيه آلاف الغزيين، رجالاً ونساءً، صغاراً وكباراً. يقول للجزيرة نت: "رمضان ضيف خفيف الظل، ولا بد لطقوسه أن تكون مميزة ومفيدة، ورياضة المشي على كورنيش البحر واحدة من سمات هذا الشهر الكريم".

قبيل موعد الإفطار وأذان المغرب بنحو ساعتين، يرتدي حمودة زياً رياضياً برفقة ثلة من أصدقائه، وينطلق في مسار لم يغيره منذ سنوات، يبدأ من منزله القريب من شاطئ البحر نحو الكورنيش الذي ساهمت دولة قطر في تهيئته، ضمن مساهمات تقدمها لقطاع غزة لمساعدته في التغلب على تداعيات الحصار الإسرائيلي الخانق منذ 16 عاما.

تستغرق رحلة حمودة ورفاقه نحو ساعة، يقطعون خلالها مسافة تبلغ نحو 5 كيلومترات ذهاباً وإياباً. يقول: "نستغل وقتنا في عمل مفيد، لا يخلو من نقاش يتشعّب في قضايا مختلفة".

شهر رمضان مرتبط بمهن موسمية تنشط على كورنيش بحر غزة-رائد موسى-الجزيرة نت
شهر رمضان مرتبط بمهن موسمية تنشط على كورنيش بحر غزة (الجزيرة)

وعلى مدار العام، يكون كورنيش بحر غزة مقصد الكثيرين ممن يمارسون رياضة المشي، غير أن للوقت الذي يسبق مغيب الشمس في شهر رمضان طابعاً خاصاً حتى لأولئك الذين لا يحافظون باستمرار على هذه العادة الصحية.

يعمل حمودة بائعاً في محل للملابس الجاهزة في غزة، وهو ما يستنزف نهاره كاملاً، باستثناء شهر رمضان الذي يجد فيه متسعاً من الوقت للمشي، ما عدا العشر الأواخر منه التي تنشغل فيها المحال التجارية بالاستعداد لاستقبال عيد الفطر، حتى أنه في بعض الأحيان لا يتمكن من مشاركة أسرته طعام الإفطار.

أطفال يلهون بالدراجات الهوائية على كورنيش بحر غزة-رائد موسى-الجزيرة نت
أطفال يلهون بالدراجات الهوائية على كورنيش بحر غزة (الجزيرة)

طقوس صحية وتجارية

ويشجع المتخصص في التربية الرياضية حمدان مرتجى على رياضة المشي طوال العام، ويفسّر الإقبال عليها في الساعة الأخيرة قبل موعد الإفطار باعتبارها "الساعة الأشد صعوبة وتمر بطيئة على بعض الصائمين"، فيما آخرون يحرصون عليها رغبةً في تحفيز الجسم لحرق الدهون ويساعدهم في ذلك أن الجسم يكون خالياً من السوائل بعد صيام نهار يوم طويل.

يقول مرتجى للجزيرة نت: "المشي رياضة متاحة للجميع وغير مكلفة، ولا تحتاج إلى أدوات ومعدات، ويكفيها توافر الإرادة، ومردودها وافر على الصحة من حيث تنشيط الدورة الدموية، والحفاظ على اللياقة البدنية، وتحسين المزاج العام".

حمدان مرتجى رياضة المشي تحسن الصحة الجسدية والنفسية خاصة في شهر رمضان-رائد موسى-الجزيرة نت
حمدان مرتجى: رياضة المشي تحسّن الصحة الجسدية والنفسية خاصة في شهر رمضان (الجزيرة)

وجعلت الحركة الناشطة المرتبطة بشهر رمضان من كورنيش البحر وجهة تجارية لأصحاب أعمال موسمية، كباعة المشروبات والمخللات والخضروات المرتبطة بالسفرة الرمضانية، بالإضافة إلى أصحاب الجِمال والخيل والدراجات الهوائية وعربات الأطفال التي تعمل على البطاريات، وجمهورهم المستهدف من الأطفال الذين أرهقهم الصيام.

تبرز الأجواء الرمضانية على كورنيش بحر غزة مع فرحة الأطفال-رائد موسى-الجزيرة نت
تبرز الأجواء الرمضانية على كورنيش بحر غزة مع فرحة الأطفال (الجزيرة)

الطفل محمد طافش (15 عاما) يمتلك واحدة من هذه العربات، ويقول للجزيرة نت إن إقبال الأطفال عليها يزيد في شهر رمضان، وهو يتقاضى مبلغ شيكل واحد من الطفل مقابل قيادتها لدقائق معدودة (الدولار يساوي 3.67 شيكلات).

ولا يحدد محمد المبلغ الذي يحصّله يوميا، أو ربما لا يرغب في الإفصاح عنه، غير أنه يقول إن ما يتقاضاه يساهم في مساعدة أسرته المكونة من 8 أفراد.

رمزي الافرنجي لشهر رمضان أنشطته الرياضية والاجتماعية والدينية التي تميزه عن باقي شهور السنة-رائد موسى-الجزيرة نت
رمزي الإفرنجي: لشهر رمضان أنشطته الرياضية والاجتماعية والدينية التي تميزه عن باقي شهور السنة (الجزيرة)

نشاطات رمضانية

وخلال السنوات الماضية، انتشرت على امتداد قطاع غزة "ملاعب كرة القدم الخماسية"، كمشاريع استثمارية أو تابعة لأندية ومؤسسات وأكاديميات لتعليم الأطفال والناشئين وتدريبهم.

ولا يتوقف النشاط في هذه الملاعب، غير أنها تكتسي حلة خاصة وتشهد إقبالا متزايدا مع التنوع في النشاطات والفعاليات الرياضية والثقافية والدينية خلال شهر رمضان، بحسب رئيس "أكاديمية الوحدة" المهندس رمزي الإفرنجي.

وتشهد هذه الملاعب "بطولات رمضانية" في رياضات مختلفة، أبرزها كرة القدم، فضلاً عن نشاطات ومسابقات في مجالات أخرى، تحض النشء على المحافظة على العبادات وأعمال الخير.

ويتبارى الراغبون في ممارسة كرة القدم على حجز هذه الملاعب بـ"نظام الساعة"، كما هو متعارف عليه في غزة. يقول الإفرنجي للجزيرة نت: "ساعات الذروة خلال شهر رمضان تمتد من بعد صلاة التراويح وحتى الساعة التي تسبق موعد السحور، ويزيد الإقبال على الساعة التي تسبق موعد الإفطار".

ويستمر هذا النشاط في التنامي من بعد الأيام الرمضانية الأولى وحتى آخر أول ليلة من العشر الأواخر، التي يقول الإفرنجي إن الصائمين يتفرغون فيها للعبادة، من الصلاة وقيام الليل.

المصدر : الجزيرة