زلزال تركيا يجبر الناجين على التخلي عن عاداتهم في رمضان

حسن بلر يقف مع عائلته أمام خيمتهم في بلدة ياشيل يورت بولاية ملاطيا (الجزيرة)

تجر سفجي درماز في يدها حقيبة تسوق محملة ببعض المواد الغذائية الأساسية التي اشترتها من المتجر، من أجل تقديمها إلى إحدى الأسر المتضرّرة من الزلزال الذي ضرب جنوبي تركيا في السادس من فبراير/شباط الماضي.

تقيم سفجي في مدينة يلوا، التي تقع على ساحل بحر مرمرة وتبعد عن إسطنبول نحو 100 كيلومتر، وتقول للجزيرة نت "هذا ما أستطيع فعله لهم، هؤلاء أهلنا وإخوتنا. لقد مررنا بالتجربة ذاتها في زلزال 1999، نحاول أن نخفف عن بعضنا بعضا حتى نتجاوز المحنة. تخليتُ عن كل شيء كنت أحضّره لاستقبال شهر رمضان. لن نستطيع تذوّق لقمة واحدة، وهناك جيران لنا فقدوا عزيزا لديهم وجاؤوا إلينا من دون أي شيء. هذا أقل ما نقدمه لهم".

الزلزال الذي ضرب 11 ولاية تركية جنوبية، تأثر به قرابة 14 مليون شخص، من بينهم 3.5 ملايين تهدمت منازلهم وتضرّرت بشكل كبير. وأدى الزلزال إلى سقوط نحو 50 ألف قتيل وأكثر من 115 ألف مصاب.

عادات وتقاليد الأتراك

عادات وتقاليد الأتراك في استقبال شهر رمضان المبارك لا تختلف كثيرا عن عادات وتقاليد المجتمعات العربية، من تجهيز المساجد والتسوّق لشراء مستلزمات الشهر الكريم، إلى جانب دعوات الإفطار الجماعية بين الأقارب والجيران وصلاة التراويح وحلقات القرآن الكريم.

لكن كارثة الزلزال أجبرت الشعب التركي على التخلي عن بعض هذه العادات، التي لم تقتصر على شراء الأطعمة والمشروبات التي يشتهر بها الشهر الكريم ولكن شملت العبادات أيضا، بعد تضرّر عدد كبير من المساجد.

حسن بلر (52 عاما) تاجر من مدينة ملاطيا يقيم مع عائلته التي تضررت من الزلزال في إحدى الخيام في بلدة ياشيل يورت التي تتبع حي يافوز سليم في ولاية ملاطيا، إحدى الولايات المتضررة، يقول بلر للجزيرة نت إن "رمضان هذا العام مختلف عن سابقه، أشياء كثيرة تغيّرت وستتغير. اعتدنا مع دخول شهر الصوم شراء حاجاتنا، والاجتماع مع أقاربنا وأصدقائنا على مائدة الإفطار، والحرص على صلاة التراويح في جامع البلدة".

ويضيف "أما الآن، فلا توجد متاجر وأسواق في المدينة، إذ إن كثيرا منها تضرّر. ونعتمد اليوم على ما تقدمه لنا الدولة من طعام وشراب. أيضا لن نستطيع الذهاب إلى صلاة التراويح بعد الضرر الذي لحق بمسجد قريتنا، فضلا عن كوننا لن نستطيع الاجتماع مع أقاربنا وأصدقائنا إلى طعام الإفطار، فالجميع يسكن الخيام، وهناك من ترك المدينة".

ويردف "لا أعتقد أننا كنا سنستطيع العيش بهذه الظروف الصعبة لو لم تكن دولتنا قوية. هذه الكارثة كبيرة جدا، ولم نر مثلها من قبل. الدولة ترسل لنا حاجاتنا بشكل دائم ويومي، نحمد الله على ذلك".

مسؤول بهيئة الإغاثة التركية يشرح مراحل مساعدة المتضررين بعد الزلزال
الأتراك يشعرون بالحزن في رمضان على من فقدوا (غيتي)

رمضان هذا العام

لا تختلف الحال كثيرا بالنسبة إلى سوناي جوشار التي تعمل مدرّسة هي وزوجها حكمك، إذ خرجا من كهرمان مرعش (مركز الزلزال الأخير) إلى مدينة قونيا، وسط تركيا.

تقول سوناي -بنبرة يعلوها الألم والحزن- "فقدتُ عددا من أصدقائي وطلابي، ولا تزال ذكرياتي معهم عالقة في ذهني. كنا نستقبل الشهر الكريم كل عام بالحديث مع طلابنا عن قيمة رمضان وأهمية الصوم، وكنا نجتمع لقراءة القرآن الكريم. أما الآن، مع الأسف، فلا يمكن أن نجتمع مرة أخرى".

تضيف "أسأل الله أن يخفف قدوم شهر رمضان ألمنا الذي في قلوبنا ويبلسم جروحنا. بالطبع رمضان هذا العام مختلف عما قبله، من الصعب أن نمارس العادات التي كنا نقوم بها في كهرمان مرعش خلال رمضان، مثل صلاة التراويح لأن غالبية المساجد تأثرت بالزلزال. لكن الوضع مختلف هنا في قونيا".

وتتابع "نشعر بالحزن على شهدائنا، ولا نعرف إن كنا سنعود إلى مرعش أم لا. أنا حزينة جدا لأنني لست مع طلابي في هذه الفاجعة، لقد مات بعضهم بفعل الزلزال، وبعضهم فقد أهله. ما أستطيع فعله هو التواصل معهم عن طريق الهاتف لنخفف من آلام بعضنا بعضا".

يجلس _عاطف اوغر_ وعائلته داخل أحد المنازل الريفية بعد أن فقدوا منازلهم واقاربهم _تركيا_ملاطيا_بلدة بطال غازي_قرا كوي_ حصري الجزيرة نت
عاطف أوغر يجلس وعائلته داخل أحد المنازل الريفية بعد أن فقدوا منازلهم وأقاربهم (الجزيرة)

الصيام والعبادة في الخيمة

حالة الخوف التي خلفها الزلزال واستمرار الهزات الارتدادية أديا إلى خروج أعداد كبيرة من أهالي المدن الجنوبية المتضررة من الزلزال إلى الولايات الأخرى، بينما تحاول الحكومة تخفيف المعاناة عن المنكوبين، خاصة مع دخول شهر رمضان عبر تزويدهم بكل حاجاتهم وتوزيع التمور والعصائر. في حين أعلن الهلال الأحمر التركي، بالتعاون مع المؤسسات والمنظمات الأعضاء في برنامج التغذية في حالات الكوارث، توزيع وجبات ساخنة لنحو 150 مليون شخص منذ بداية الكارثة.

يقول عاطف أوغر -القادم من إحدى قرى ملاطيا- إن "الحياة هنا متوقفة تماما، فالمياه لا تصلح للاستخدام، ونعتمد فقط على ما توفره الدولة لنا من مياه نظيفة وطعام"، ويتابع حديثه إلى الجزيرة نت "أقيم في قرية قرا التابعة لحي بطال غازي في ملاطيا. قريتي لم تعد فيها سوى أعداد قليلة جدا من الأهالي. أعتقد أن رمضان هذا العام سيقتصر على الصيام والعبادة مع أهلي. لن نستطيع أن نفعل ما كنا نفعله في الأعوام السابقة، خصوصا بعدما فقدنا زوجة عمي وابن وابنة عمي في الزلزال. يصعب علينا الكلام لوصف مشاعرنا، نحمل معنا ذكريات من رحلوا، ونسأل الله أن يمنحنا الصبر وأن تمر هذه الأيام سريعا.. ويعود كل شيء كما كان".

المصدر : الجزيرة