بمعاصر حجرية قديمة صديقة للبيئة.. ماذا تعرف عن زيت الزيتون المسلوق والمجفف؟

زيت الزيتون المسلوق والمجفف
أهالي منطقة تبنة في محافظة إربد، شمالي الأردن، يصرّون على استخدام المعاصر الحجرية القديمة -التي يتجاوز عمرها قرنًا من الزمان- لعصر زيتونهم (الجزيرة)

إربد- على مدار أكثر من 30 عاما، يدير الخمسيني سامح بني عيسى رحى معصرته الحجرية على حبات الزيتون مستخرجا منها زيتا صافيا. يبدأ عمله مع ساعات الصباح الباكر، ويستمر حتى وقت متأخر من الليل، بلا كلل أو ملل.

يتعامل بني عيسى في معصرته، التي يزيد عمرها على 100 عام، مع نوعين من الزيتون (المسلوق والمجفف)، حتى يتمكن من عصرهما تحت عجلات معصرته الحجرية القديمة. ويبدأ موسم قطاف الزيتون في الأردن وبلاد الشام منتصف أكتوبر/تشرين الأول من كل عام، بعدما تكون ثماره بدأت تنضج، تمهيدا لعصرها واستخراج زيت الزيتون منها.

وعلى الرغم من وجود معاصر حديثة مزوّدة بتقنيات تكنولوجية، فإن أهالي منطقة تبنة في محافظة إربد، شمالي المملكة الأردنية، يصرّون على استخدام المعاصر الحجرية القديمة -التي يتجاوز عمرها قرنًا من الزمان- لعصر زيتونهم.

وتحتضن القرية أشجار زيتون معمرة وقديمة تُعرف بالزيتون "الرومي أو الروماني"، يزيد عمرها على الألف عام، وما زالت تطرح ثمارها، ويؤخذ منها عقل (أفرع) لزراعتها وتكثير الأشتال منها وتطعيم أشجار أخرى بنوعها.

زيت الزيتون المسلوق والمجفف
بني عيسى يحضر حبات الزيتون ليستخرج منها زيتًا صافيًا (الجزيرة)

الزيتون المسلوق

بعد قطاف ثمار الزيتون في قرية تبنة، يعمد الأهالي إما إلى سلق الزيتون بالماء الحار، أو تجفيفه وتحضيره ليتم عصره. ويُسلق الزيتون بوضع الثمار في براميل حديدية، وتُشعَل النيران من تحتها لحين غليانها، ثم تستخرج من الماء الساخن وتُنشر تحت أشعة الشمس لتجفيفها.

ويستخدم أهالي القرية هذه الطريقة -وفق حديث بني عيسى إلى "الجزيرة نت"- حتى يتم تكثيف الزيت داخل ثمار الزيتون، مما يرفع من إنتاج الثمار والزيت معا.

ثمار الزيتون المجفف والمسلوق جاهزة للعصر. الجزيرة . جولة ميدانيةعلى معاصر حجرية بقرية تبنى محافظة اربد.
ثمار الزيتون المجفف والمسلوق جاهزة للعصر على معاصر حجرية (الجزيرة)

أما تجفيف الثمار، فيتم بنشر حبات الزيتون بعد قطافها تحت أشعة الشمس وعلى أسطح المنازل لمدة 10 أيام لسحب المياه منها، والإبقاء على قطرات الزيت فيها، حتى يسهل طحنها وعصرها على المعاصر الحجرية.

يصف بني عيسى طريقة عمل تلك المعاصر بـ"الصديقة للبيئة"، لأنها لا تنتج أي كميات من مياه الزيتون المعروفة بـ"الزيبار الملوث للبيئة"، وفق تعبيره.

ويتراوح إنتاج الأردن من زيت الزيتون بين 25 ألفا و30 ألف طن سنويا، ويحقق الاكتفاء الذاتي للأردنيين. وتُصدر كميات من الزيت إلى الخارج، ويصل ثمن الكيلوغرام الواحد 5 دنانير (نحو 7 دولارات)، مما يشكل رافدا اقتصاديًا مهمًا للعائلات الأردنية.

الجاروشة والبدّ والمكبس

تتكون معصرة بني عيسى القديمة من 4 ماكينات رئيسة لعصر ثمار الزيتون المجفف. يبدأ العصر بوضع أكياس ثمار الزيتون في وعاء كبير، تمهيدا لطحنه في ماكينة تعرف بـ"الجاروشة"، ووظيفتها تكسير تلك الثمار.

بعد ذلك، يطحن بني عيسى الثمار الخارجة من الجاروشة، في ما يعرف بـ"البدّ"، وهو عبارة عن وعاء ضخم تدور في وسطه عجلات حجرية يصل وزنها إلى طن، مربوطة بمحرك كهربائي، فيصبح الزيتون جاهزا لوضعه على المكبس.

وتُنقَل الثمار المطحونة إلى مكبس كهربائي دائري، وتوضع على دوائر من القش، ويُضغط عليها لاستخراج قطرات الزيتون منها، ثم يُنقل الزيت المستخرج إلى إناء كبير يُغلق بإحكام حتى لا يطاله ضرر.

وتعمل الماكينات اليوم بالطاقة الكهربائية، بعدما كانت تديرها حيوانات في سبعينيات القرن الماضي.

يشكل زيت الزيتون مصدر دخل لنحو 30% من الأسر الأردنية التي تعتمد على بيعه وتسويقه كمصدر دخل لهم. وتنظم السلطات الأردنية سنويا مهرجانا لتسويق الزيت والزيتون والأكلات المحضّرة منها، تُعرض فيه منتجات المرأة الريفية من ألبان وأجبان ومخللات وأعشاب برية وطبية، وأصناف متعددة من زيت الزيتون وثمار الزيتون المجهزة للأكل.

يتم وضع الزيتون المهروس على المكبس لاستخراج الزيت. الجزيرة . جولة ميدانيةعلى معاصر حجرية بقرية تبنى محافظة اربد
يتم وضع الزيتون المهروس على المكبس تمهيدا لاستخراج الزيت بواسطة معاصر حجرية (الجزيرة)

بانتظار الزيت البكر

وعلى باب المعصرة الحجرية، ينتظر الخمسيني سليم العواودة الانتهاء من عصر الزيتون لشراء حاجته منها، تاركا خلفه مئات المعاصر الأتوماتيكية الحديثة، مفضلا شراء حاجته السنوية من الزيت المستخرج من تلك المعاصر.

يصف العواودة -القادم من العاصمة عمّان- الزيت بأنه "أفضل زيت زيتون يمكن التغذية عليه". ويقول للجزيرة نت إن زيت الزيتون المستخرج من المعاصر الحجرية يمتلك مميزات لا توجد في أنواع أخرى، "فكثافته أعلى، ونسبة الحموضة فيه أقل، إضافة إلى صفائه وجودته ورائحته الطيبة".

وتشكل أشجار الزيتون ثروة وطنية للأردنيين، وتصل مساحة الأراضي المزروعة بأشجار الزيتون إلى أكثر من 570 ألف دونم، (الدونم ألف متر مربع)، تحتوي على نحو 11 مليون شجرة، من أنواع متعددة أشهرها الرومي والنبالي المحسن والبلدي وغيرها. وتنتشر حقول الزيتون في المحافظات الشمالية للمملكة بشكل أكثر من المحافظات الجنوبية.

زيت الزيتون المسلوق والمجفف
حسب منتجيه، زيت الزيتون المستخرج من المعاصر الحجرية يتميز بكثافة أعلى ونسبة حموضة أقل (الجزيرة)

إنتاج وفير

وعلى درجات معصرة حجرية، يفرغ المزارع عبد الله بني يونس حمولة سيارته من أكياس ثمار الزيتون المجفف، تمهيدا لعصرها، مفضلا عصر زيتونه في المعاصر الحجرية على المعاصر الحديثة.

ويدّخر بني يونس من زيته حاجته السنوية مؤونة للبيت، بينما يبيع باقي الإنتاج لمعارفه وأصدقائه، واصفا الموسم الحالي للزيتون بـ"الوفير"، متوقعا ارتفاع كمية الإنتاج بما بين 20% و30% عن العام الماضي.

ويشاهد المتجول في مزارع قرية تبنة أشجار الزيتون الرومانية القديمة المعمرة التي تشكل بين 15% و20% من المساحات المزروعة بالزيتون. ويعد الأردن أحد المواطن الطبيعية لزراعة الزيتون في منطقة بلاد الشام والشرق الأوسط.

المصدر : الجزيرة