"فونغ إسطنبول".. فرقة تروج لبيئة صحية بآلات موسيقية مصنوعة من النفايات

إسطنبول- تعزف فرقة "فونغ إسطنبول" ألحانا شذية بآلات فريدة، صنعوها بأنفسهم من النفايات، إذ قادهم عشقهم للطبيعة لتأسيس هذا المشروع، لتوجيه انتباه الناس نحو البيئة وأهمية حمايتها.

استهلت الفرقة مسيرتها عام 2014، حيث بدأت بعازفين: هارمان آرتوتش وروني آران وهو باحث في علوم الطبيعة، وقد كان الاهتمام بالبيئة هدفا رئيسا لهما منذ البداية -وإن كانا يستخدمان الآلات الموسيقية الاحترافية- فقد أطلقا على ألبومهما الأول اسم "فينولوجي" وهو علم يدرس علاقة المناخ بدورة حياة الحيوان والنبات، وذلك للفت الانتباه للموضوعات المتعلقة بالبيئة.

إحدى نشاطات فرقة فونغ اسطنبول في حفلة موسيقية في أحضان الطبيعة
أحد نشاطات فرقة فونغ إسطنبول في حفل موسيقي في أحضان الطبيعة (الجزيرة)

بداية الفكرة

تحول اهتمام الفرقة إلى التركيز على التدوير وحماية البيئة من النفايات المتراكمة منذ عام 2019، حين انضم للفرقة العازف سرحات أيبي، إذ توقفوا عن استخدام الآلات الموسيقية المعتادة، وبدؤوا بصناعة آلاتهم من خلال التدوير.

وتقوم فكرة مشروع الفرقة على استخدام الموسيقى والتي يعتبرونها أقوى تأثيرا في النفوس من الكلمات، يقول آرتوتش "مع تزايد خطر التلوث البيئي في الآونة الأخيرة بدأنا نفكر أكثر في هذا المشروع، فنحن لا نستخدم الكلمات أبدا، بل نعول على نشر الوعي البيئي من خلال القطع الموسيقية والآلات التي نصنعها بأنفسنا".

ومع زيادة نشاطات الفرقة ومشاركاتها وحفلاتها الموسيقية يزداد عدد المهتمين بالموضوع، إذ إن اهتمام الفرقة بالقضايا البيئية أصبح مثار فضول لدى الناس، فقد يصاب البعض بالصدمة للوهلة الأولى من غرابة الفكرة، ثم لا يسعه إلا أن تتملكه الدهشة من جمال المعزوفات ويستحوذ عليه الإعجاب.

أفراد الفرقة ومصممة الأزياء يعرضون منتجاتهم في إحدى المعارض
أعضاء فرقة فونغ إسطنبول ومصممة أزياء يعرضون منتجاتهم في أحد المعارض (الجزيرة)

إعادة التدوير لصنع الآلات الموسيقية

ولتحقيق هدفهم في صنع موسيقى تتلاءم مع البيئة يقوم أفراد الفرقة بصناعة آلات موسيقية عديدة باستخدام مواد مختلفة، يحصلون عليها من نفايات الشارع أو نفايات منازلهم أو حتى من النفايات التي تلقى في الغابات كمخلفات طلقات الصيد والأكياس البلاستيكية.

فهم يستخدمون العلب الزجاجية الفارغة والأوعية البلاستيكية والطناجر المعدنية وأغطية العلب والأدوات الدقيقة من الأجهزة الكهربائية المعطلة، والملابس القديمة وغيرها من أنواع النفايات.

وفي معرض حديثه عن اختيار المواد المستخدمة في التدوير يقول أيبي "نولي اهتماما لاختيار المواد التي لن تتحلل في الطبيعة، نريد استخدام أقل عدد ممكن من قطع الخشب، وهذا من أهم الاعتبارات لدينا".

الفرقة في أحدى ورش التدريب
أعضاء من فرقة فونغ إسطنبول في إحدى ورش التدريب الهادفة لتوعية المجتمع بأهمية المحافظة على البيئة (الجزيرة)

تصنيع آلات موسيقية عديدة

يصنع العازفون آلات تناسب خبراتهم الاحترافية، فهم في الأصل عازفون محترفون فبينما يضرب هارمان آرتوتش على الآلات الإيقاعية، يعزف سرحات أيبي على الغيتار والكمان، أما روني آران فيعزف على الآلات الوترية.

وأطلق أعضاء الفرقة أسماء جديدة على الآلات التي صنعوها، استنادا لبعض المواد المستخدمة في صنعها. وفي تصريح للجزيرة نت يقول أيبي "تخصصي في الأصل هو العزف على الباس غيتار (آلة موسيقية وترية) والتشيلو، أما هنا فأقوم بالعزف على الترباسين (آلة موسيقية تشبه القانون) وطنجرة باس، إنني أستمر في حياتي الفنية ولكن بتصميم مختلف".

فالطنجرة باس مثلا، هي عبارة عن آلة موسيقية صنعوها من طنجرة كبيرة الحجم، وحبل غسيل، وعصا الممسحة، فهي آلة مصنوعة بالكامل من نفايات المنزل.

آلة التارباسين مصنوعة من حوض استحمام بلاستيكي وقطعة من خزانة قديمة وفراشي تلوين وقطع من ألعاب الأطفال وحبل غسيل وأوتار غيتار قديم - لمياء احمد - اسطنبول
آلة الترباسين المصنوعة من حوض استحمام بلاستيكي وقطعة من خزانة قديمة (الجزيرة)

صعوبات وعقبات في طريق التدوير

قد يبدو الجهاز المصنوع من التدوير بسيطا، لكن في الواقع عملية صنعه عملية معقدة، فبينما تستغرق عملية جمع المواد وقتا وجهدا كبيرين، يواجه العازفون صعوبة كبيرة عند اختيار المواد، فاختيار المادة الصحيحة شرط للحصول على الصوت المراد، إذ قد يخرج صوت من كل شيء، أما استخراج ألحان موسيقية فهو شيء آخر، فآلة البيدون ساز -وهي تشبه العود- لها وتران، كل وتر يجب أن يصدر نغمة مختلفة.

ويعترف العازفون أن الآلات التي يصنعونها ليست كالآلات الاحترافية، كما أنها تحتاج إلى صيانة باستمرار، ولكنهم بالمحصلة يشعرون بالسعادة عندما يحصلون على نتيجة مرضية، ويرون أن خروج الألحان الناشزة أحيانا ليس مربكا لهم، بل يكتسب معنى بدمج جميع النغمات للحصول على لحن متكامل يتناسب مع فكرتهم.

أزياء الفرقة أيضاً مصنوعة من خلال إعادة التدوير
أزياء الفرقة أيضًا مصنوعة بالكامل من خلال إعادة التدوير (الجزيرة)

أزياء وإكسسوارات الفرقة أيضا "تدوير"

أما بالنسبة للأزياء التي يرتديها أعضاء الفرقة خلال تقديم حفلاتهم، فقد قاموا بتصميمها بالتعاون مع المصممة روكان أدى بيلي، والتي تستخدم التدوير في تصميماتها، فبينما يقوم أفراد الفرقة بجمع المواد تقوم هي بمهمة التصميم، فتصنع لهم الملابس والقبعات والنظارات، كما قامت بتصميم اسم الفرقة بنقوش كلها من أدوات جمعت من النفايات.

قبعات من إعادة التدوير ترتديها الفرقة في حفلاتها - لمياء احمد - اسطنبول
قبعات مختلفة التصميم -من إعادة التدوير- ترتديها الفرقة في حفلاتها (الجزيرة)

نشاطات متعلقة بالبيئة

من جانب آخر، تشارك الفرقة في النشاطات الخاصة بالبيئة والطبيعة بإقامة حفلات موسيقية خاصة بها، أو المشاركة بالمهرجانات الموسيقية العامة.

كما أنهم أنتجوا ألبوما كاملا والعديد من المعزوفات الفردية بآلات مصنوعة بالتدوير. يقول روني آران للجزيرة نت "أنتجنا ألبوماً أسميناه "تراش أوريانتال" والذي يعتمد بشكل كامل على الآلات المصنوعة من النفايات، وهو الألبوم الأول من نوعه في تركيا، ومن ثم بدأنا بصنع مقاطع موسيقية فردية وما زلنا نصنع المزيد".

ويضيف "دائما ما نقوم بتطوير أنفسنا وتطوير الآلات ومحاولة إيجاد أصوات جديدة ونحاول إيجاد المواد المناسبة للتدوير".

كما يقوم أفراد الفرقة بزيارة المدارس والجامعات المختلفة، للقيام بنشاطات من شأنها تعزيز الوعي البيئي، ولتوسيع نطاق نشاطاتهم، تعمل الفرقة بالتعاون مع العديد من المؤسسات غير الربحية والبلديات والشركات الخاصة فيما يتعلق بالتدوير وحماية البيئة.

ويقول آرتوتش في هذا الصدد "نهدف للوصول إلى مختلف التخصصات والفئات العمرية، من أجل توعيتهم بأهمية الحفاظ على البيئة، وتعليمهم كيفية إعادة استخدام قطعة مهملة منذ زمن بعيد، وتطوير الملكات الإبداعية لديهم".

نظارات الفرقة مصنوعة من علب المياه البلاستيكية - لمياء احمد - اسطنبول
نظارات الفرقة مصنوعة من بقايا علب المياه البلاستيكية (الجزيرة)

المشاركة في المعارض وإقامة ورش تدريبية

تشارك الفرقة بعرض منتجاتها من الآلات الموسيقية، وأزيائها في المعارض العامة والخاصة في أنحاء تركيا. بالإضافة إلى إقامة ورش تدريبية لصنع الآلات الموسيقية من النفايات، وذلك بتعليم المشاركين من الأطفال والبالغين كيفية جمع المواد من نفايات منازلهم أو مكاتبهم، ومن ثم مشاركتهم عمليا في صنع الآلات، وفي الوقت ذاته يقدمون شرحا تعريفيا حول مشروعهم.

المصدر : الجزيرة