صور وفيديوهات نادرة لمصر قبل قرن.. توثيق لتاريخ كاد يندثر

مبادرات لتوثيق االحياة اليومية للمصريين في القرن الماضي (مواقع التواصل)

هل تمنيت يوما لو كانت آلة الزمن اختراعا حقيقيا، ينقلك إلى زمن ماض عشته أو سمعت عنه من الآباء والأجداد؟

بالتأكيد راود هذا الحلم الكثيرين، ومعه تساؤلات وشغف حول كيف كانت معيشة المصريين في القرن الماضي، ماذا كانوا يرتدون وماذا يأكلون وإلى أين يذهبون.

ولأن آلة الزمن مجرد أمنية خيالية فقد أخذ البعض من محبي التاريخ والتوثيق على عاتقهم مهمة تحقيق جزء من هذا الحلم بتوثيق حياة المصريين اليومية بالصورة والفيديو، وساعدهم تطور التكنولوجيا والإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي على الوصول إلى المزيد من المصادر الأرشيفية المحلية والعالمية التي لم تكن متاحة سابقا.

وبين شباب عشقوا تاريخ بلادهم وسخروا التكنولوجيا الحديثة لجمعه ونشره، وشيوخ وجدوا تاريخا عاشوه يكاد يندثر فقرروا إحياءه وتقديمه للأجيال الجديدة، ظهرت العديد من مبادرات توثيق تاريخ المصريين.

ولاقت هذه الجهود ترحيبا واسعا من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، دفع الكثير من المتابعين إلى المشاركة بما يملكون من صور وفيديوهات لتدعيم هذه الأفكار.

سيدة مصرية ريفية مع نجلها من أرشيف توثيق حياة المصريين في القرن الماضي (مواقع التواصل)

التوثيق الواقعي لمصر

شغف المحاسب المصري الشاب أحمد الطنيخي بالتاريخ، وحنينه إلى وطنه خلال سنوات غربته، قاده إلى مبادرة التوثيق الواقعي للشارع المصري، عبر مقاطع الفيديو النادرة وآلاف الصور لحياة المصريين خلال العقود الماضية، نشرها على صفحته على فيسبوك.

وبدلا من تقديم صور الشخصيات الشهيرة والأحداث العامة، اتجه الطنيخي إلى توثيق الحياة اليومية للمواطن المصري العادي خلال القرن الماضي، في المنزل والشارع وأثناء عمله في المصانع والحقول.

وتقدم الفيديوهات والصور النادرة التي تنشرها المبادرة وجبة تاريخية دسمة، توضح كيف كانت معيشة المصريين وشكل أزيائهم وأنواع طعامهم ووسائل مواصلاتهم وطبيعة العلاقات بينهم.

 

لقطات حية من رصيف قطار محطة مصر عام 1942، تظهر لحظة توديع المجندين لذويهم، وأخرى أقدم لمصريين في مقهى شعبي عام 1938 وهم يستمعون إلى المذياع، تلقى ترحيبا واسعا لدى رواد مواقع التواصل.

 

 

وعبر فيديوهات وصور نادرة، يمكنك السير في شوارع القاهرة في الأربعينيات أو السبعينيات، أيهما أحببت، لترافق المصريين أثناء ذهابهم لأعمالهم أو مدارسهم في صباح القاهرة المكتظ، أو عش معهم لحظات الترقب والحزن أثناء هزيمة يونيو/حزيران 1967، أو شاركهم فرحتهم الغامرة بنصر أكتوبر/تشرين الأول 1973، أو ربما تفضل العودة لسنوات أبعد وتشارك أسرة مصرية عام 1938 إفطارهم الشهي فوق سطح منزلهم.

ترميم وتلوين

لم يكتف الطنيخي بالوصول إلى صور ومقاطع فيديو نادرة، وإنما استغل خبراته التقنية في ترميم وتلوين هذه المواد الأرشيفية، ليرى المصريون حياة آبائهم وأجدادهم بالألوان، نابضة بالحياة، بدلا من الأبيض والأسود المميز لتوثيق هذه الفترة التاريخية، وهو ما أحدث صدى إيجابيا واسعا لدى متابعيه الذين تجاوز عددهم 90 ألف متابع على فيسبوك.

 

 

وتواجه مبادرة التوثيق الواقعي صعوبات مادية في الحصول على بعض المواد التاريخية لتكلفتها المالية العالية، وفق تصريحات الطنيخي لبعض وسائل الإعلام المحلية، ولكنه في المقابل وجد موردا آخر لمبادرته وهي الصور التي يرسلها إليه متابعوه، سواء كانت صورا عائلية أم عامة.

أرشيف مكرم سلامة

رغم سنوات عمره التي تجاوزت الـ70، لم يتوقف المصري مكرم سلامة، أشهر جامعي الوثائق والتراث في مصر، عن استكمال رحلته في إنقاذ وتوثيق الأرشيف المصور لحياة المصريين بشكل عام والتراث السينمائي بشكل خاص، ومشاركته مع الباحثين والمهتمين.

وتمكن "عم مكرم" -كما يسميه متابعوه- خلال 40 عاما من البحث من جمع ما يزيد على نصف مليون صورة ووثيقة نادرة، تتعلق بالحياة في مصر منذ حكم أسرة محمد علي وحتى الآن، أغلبها حصل عليه على شكل "نيغاتيف" عبر تتبع قدامى المصورين وإستوديوهات التصوير الفوتوغرافي وشركات الإنتاج السينمائي وتجار الخردة.

ويضم أرشيف مكرم سلامة آلاف الصور النادرة للمصريين وحياتهم اليومية في شوارع القاهرة والسويس والإسكندرية وغيرها من المحافظات، فضلا عن صور الحكام والشخصيات العامة في مصر مثل أفراد العائلة الملكية وقادة فترة الجمهورية مثل محمد نجيب وجمال عبد الناصر وأنور السادات.

 

ويحظى التراث السينمائي باهتمام خاص لدى عم مكرم، فبجانب صور أغلب نجوم الفن في مصر واللقطات النادرة لكواليس تصوير أعمالهم، استطاع امتلاك إعلانات دعائية (أفيشات) لأكثر من ألفي فيلم مصري بعضها لم يتبق منه إلا هذه الأوراق الدعائية.

ولم يكتف عم مكرم بما ينشره على صفحته على فيسبوك، ولكنه تبرع لمكتبة الإسكندرية بآلاف الصور النادرة والوثائق التاريخية بينها وثائق متعلقة بإنشاء خطوط السكك الحديدية في مصر -وجدها مع جامع قمامة- بجانب التبرع بأرشيف نادر لأفلام المخرج المصري اليهودي من أصل إيطالي "توغو مزراحي"، وهو من أوائل مخرجي السينما المصرية.

 

 

 

 

"قصاقيص جرايد"

نمط آخر من توثيق حياة المصريين وتاريخهم خلال العقود الماضية انتهجه المدون وائل عباس من خلال تدشين صفحة على فيسبوك أسماها "قصاقيص جرايد قديمة"، نشر فيها قصاصات من الصحف والمجلات والكتب القديمة تضم أخبارا سياسية وفنية وإعلانات مختلفة.

وتضم الصفحة عشرات الفيديوهات النادرة لأحداث تاريخية مثل افتتاح الملك فؤاد لأحد المناجم وإزاحة الستار عن تمثال نهضة مصر، ومشاهد لافتتاح الكورنيش في أوائل الخمسينيات، وزيارة الرئيس السادات لمدينة السويس عام 1976 وخطابه في مناسبة عيد العمال، ولقطات لتوافد المصريين على المصارف للتبرع أثناء حرب أكتوبر 1973، بجانب الكثير من الإعلانات التلفزيونية القديمة النادرة.

 

بين الشعبي والرسمي

وتحفل مواقع التواصل الاجتماعي بعشرات الصفحات والمجموعات الأخرى التي تهتم بتوثيق العقود الماضية من حياة المصريين ومن أشهرها صفحة أهل مصر زمان بشعارها "مصر التي لم ترها أعيننا"، والتي تحظى بمتابعة ما يقرب من 3 ملايين شخص على فيسبوك، واتجهت مؤخرا إلى تدشين قناة على يوتيوب لنشر المقاطع المصورة لهذه الحقبة التاريخية.

 

وفي المقابل، فإن الجهود الرسمية في حفظ وتوثيق التراث المصري ونشره للجمهور تكاد تقتصر على مكتبة الإسكندرية ومشروعها "ذاكرة مصر المعاصرة"، وهو مستودع رقمي لتوثيق آخر 200 عام من تاريخ مصر الحديث، يضم عشرات الآلاف من المواد المختلفة، من الوثائق والصور والتسجيلات الصوتية والمرئية والخرائط.

ويكتفي القائمون على هذا الأرشيف الثري بنشره على الموقع الإلكتروني، دون الاهتمام بنشر بعض مواده على مواقع التواصل الاجتماعي رغم ما لها من شعبية وانتشار واسعين، تاركين الساحة مفتوحة للمبادرات الشعبية والفردية للاستئثار بهذا الجمهور الواسع والمتنوع.

المصدر : مواقع التواصل الاجتماعي