الحرب "كذبة".. غزو العراق بعد 20 عاما وندم صانعيه المتأخر

FILE - In this April 9, 2003, file photo, an Iraqi man, bottom right, watches Cpl. Edward Chin of the 3rd Battalion, 4th Marines Regiment, cover the face of a statue of Saddam Hussein with an American flag before toppling the statue in downtown Baghdad, Iraq. (AP Photo/Jerome Delay, File)
جنديان أميركيان يغطيان تمثال صدام في ساحة الفردوس تلخيصا للانتصار الأميركي (أسوشيتد برس)
جنديان أميركيان يغطيان تمثال صدام في ساحة الفردوس تلخيصا للانتصار الأميركي (أسوشيتد برس)

في الخامس من فبراير/ شباط عام 2003، وقف وزير الخارجية الأميركي الأسبق الراحل كولن باول (1937-2021) أمام مجلس الأمن قائلا: "ما نقدمه لكم هي حقائق واستنتاجات مبنية على استخبارات قوية، تؤكد امتلاك العراق أسلحة دمار شامل". كان ذلك الخطاب بمثابة إعلان صريح لغزو العراق الذي تم يوم 19 مارس/ آذار 2003، وإسقاط النظام فعليا يوم التاسع من أبريل/ نيسان 2003.

أظهر باول آنذاك -الذي حضر الجلسة مصحوبا برئيس وكالة الاستخبارات الأميركية جورج تينيت- أنبوبا يحوي مسحوقا أبيض (في إشارة إلى أنثراكس أو الجمرة الخبيثة)، وصورا لأقمار اصطناعية مؤكدا أنه يقدم أدلة "لا يمكن دحضها" عن إخفاء نظام صدام حسين لأسلحة الدمار الشامل، وأنه يواصل خروقاته المادية لقرار مجلس الأمن 1441 لعام 2002، وطلب من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الضوء الأخضر للقيام بعمل عسكري ضد العراق.

واتهم باول أيضا نظام الرئيس الراحل صدام حسين بعلاقته بتنظيم القاعدة، مؤكدا أنه لا يستحق منحه فرصة أخرى، غير أنه بعد عامين من الغزو وإسقاط النظام، عبر عن ندمه على هذا الخطاب، مؤكدا أنه سيظل "وصمة عار في مسيرته السياسية". وقال: "إنه فعلا نقطة سوداء لأنني كنت أنا الذي قدمته باسم الولايات المتحدة إلى العالم، وسيظل ذلك جزءا من حصيلتي".

استند خطاب باول في ذلك الوقت على معلومات للمؤسسات الاستخباراتية والعسكرية الأميركية لتبرير الغزو، موجهة للرأي العام الداخلي والخارجي التي اتضح لاحقا أنها مضللة، ونعتها الإعلام الأميركي بـ"كذبة القرن"، رغم أنه روج لها بشكل هائل في حينه، وقد كلفت العراق هذه "الكذبة" ثمنا باهظا وأدخلته في أزمة سياسية واقتصادية عميقة.

اعترف باول بأن خطابه الذي اتهم فيه العراق بامتلاك أسلحة دمار شامل سيظل نقطة سوداء في ملفه
باول اعترف بأن خطابه الذي اتهم فيه العراق بامتلاك أسلحة دمار شامل سيظل نقطة سوداء في ملفه (رويترز)

وفي الأول من ديسمبر/ كانون الأول 2008 شكك الرئيس جورج دبليو بوش الابن نفسه في الأدلة التي قادت إلى غزو جيشه للعراق قائلا: "أكثر ما ندمت عليه خلال الرئاسة هو فشل المخابرات في العراق، فالكثير من الناس وضعوا سمعتهم على المحك وقالوا إن أسلحة الدمار الشامل سبب للإطاحة بصدام حسين".

أما رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير فقد عبّر في السادس من يوليو/ تموز 2016 أيضا عن "أسفه وحزنه"، وقدم "اعتذاراته"، بعد نشر تقرير لجنة تشيلكوت حول غزو العراق عام 2003، ينتقد مشاركة بريطانيا فيه. وقال بلير خلال مؤتمر صحفي: "كان ذلك القرار هو الأكثر صعوبة الذي اتخذته.. أنا أتحمل كامل المسؤولية وأعبر عن ألمي وأسفي وأقدم اعتذاراتي". لكنه قال أيضا: "إن التقرير أوضح أنه لم تكن هناك أكاذيب، ولم يتم تضليل الحكومة والبرلمان ولم يكن هناك التزام سري بالحرب".

مبعوث الرباعية الدولية توني بلير خلال مشاركته باعمال المنتدى
توني بلير قال إن غزو العراق هو القرار الأكثر صعوبة الذي اتخذه (الجزيرة)

وعلى غرار كولن باول وجورج بوش الابن، شارك عدة مسؤولين غربيين في تبرير الغزو، لكنهم لاحقا عبروا -بشكل أو بآخر-عن ندمهم لمساهمتهم في ذلك، بينهم مفتشون عن أسلحة الدمار الشامل، مثل السويدي هانس بليكس (Hans Blix) كبير مفتشي الأسلحة التابع للأمم المتحدة في فترة ما قبل الحرب الذي قدم تقريرا إيجابيا حول تعاون العراق مع اللجنة قبل الغزو.

لاحقا، وأثناء إفادته أمام لجنة تشيلكوت قال بليكس: "إنه تم جر بريطانيا للمشاركة في حرب لا يمكن الدفاع عنها من الوجهة القانونية"، مشيرا إلى أنه طلب مزيدا من الوقت لإكمال مهمته، ولكن واشنطن ولندن تجاهلتا طلبه وقامتا بالغزو، بعد أن ضخمتا المعلومات الاستخبارية التي كانت متوفرة قبل الحرب لتعزيز موقفهما الداعي الى استخدام القوة، وفق تصريحاته.

وكان سكوت ريتر(Scott Ritter)،‏ أحد أشهر المفتشين عن أسلحة الدمار الشامل العراقية من 1991 إلى 1998، قد انتقد بشكل واسع مبررات الحرب، خصوصا أنه أكد في تقرير له خلو العراق من أسلحة الدمار الشامل، وقال لاحقا -بعد أن أصبح من أشد المناهضين للغزو ومبرراته- "إن العراق خضع لأكبر عملية تفتيش عسكرية في التاريخ شاركت أجهزة المخابرات الأميركية والبريطانية والإسرائيلية في التأكد منها".

وأشارت معظم التقارير والشهادات والوقائع لاحقا إلى أن تلك المبررات التي سيقت لتبرير غزو العراق كانت الفصل الأخير من "قانون تحرير العراق"، الذي أصدره الكونغرس ووقعه الرئيس بيل كلينتون في 31 أكتوبر/ تشرين الأول 1998، وينص على أنه "ينبغي أن تكون سياسة الولايات المتحدة دعم الجهود الرامية إلى إزالة النظام الذي يرأسه صدام حسين من السلطة في العراق..". وكانت أيضا جزءا من إعادة تشكيل المنطقة والعالم وفق تصورات الإدارة الأميركية في ذلك الوقت.

الحرب والديمقراطية

بوش الابن أعلن الحرب على العراق تحت ذريعة حيازة أسلحة دمار شامل (رويترز)

في 20 مارس/ آذار عام 2003 شنت الولايات المتحدة الحرب على العراق بغرض الإطاحة بحكم الرئيس صدام حسين وتدمير مخزونه المزعوم من أسلحة الدمار الشامل. وكانت الغارات الجوية الأميركية قد بدأت قبلها بيوم بعد خطاب للرئيس جورج دبليو بوش قال فيه: "في هذه الساعة انطلقت المراحل الأولية من العمليات العسكرية للقوات الأميركية والحليفة لنزع سلاح العراق ولحماية العالم من الخطر الجسيم". مع العلم أن القوات الأميركية المدعومة بقوة بريطانية أخفقت بالعثور على أسلحة دمار شامل في العراق.

ورغم اعتقال صدام حسين ومحاكمته وشنقه في 30 ديسمبر/كانون الأول 2006. ما زال العراق يعاني من ندوب عميقة خلفها الغزو، وصاحبها دمار اقتصادي واضطرابات سياسية، أفضت إلى وقوع العراق تحت تأثير النفوذين الأميركي والإيراني.

ورغم أن الحرب أدت إلى مقتل ما لا يقل عن 200 ألف مدني عراقي، ونحو 4500 جندي أميركي، وشيوع الفوضى في العراق وعدم الاستقرار في المنطقة بأسرها، فإن التساؤلات حول الأسباب الحقيقية لشنها ما زالت قائمة. وأصبح واضحا أن السياسيين والمنظرين الأميركيين كانوا يمهدون الطريق لاحتلال العراق قبل أعوام من إقدام جيشهم على تطبيق ذلك.

فبعد قيام صدام حسين بغزو الكويت صيف العام 1990، كشف الرئيس الأميركي جورج بوش الأب عن عزمه على فرض "ديمقراطية ليبرالية" في العراق، مفسحا بذلك المجال أمام المحافظين الجدد الذين بدؤوا ضغوطهم لخلع صدام من الحكم.

U.S. Army Spc. Micki Nixon, right, and Ssg. Ronnie Lafferty sit atop their Bradley fighting vehicle while infantrymen seach for weapons in Baghdad, Iraq Tuesday, April 15, 2003. Nixon is from Jacksonville, FL. and Lafferty from Burlington, N.C. and both are with the A Company 3rd Battalion 7th Infantry Regiment. (AP Photo/John Moore)
وحدات مدرعة أميركية لدى وصولها إلى بغداد في 15 أبريل/نيسان 2003 (أسوشيتد برس)
المصدر : الجزيرة