الصحابي الجليل مصعب بن عمير.. أول سفير في الإسلام وحامل لواء المسلمين في معركة أحد

صورة تعبيرية عن الصحابي مصعب بن عمير
صورة تعبيرية عن الصحابي مصعب بن عمير أحد السابقين إلى الإسلام وأول سفير له (مواقع التواصل)

صحابي من السابقين للإسلام، حاز السبق في نصرة النبي (صلى الله عليه وسلم) والتضحية في سبيل ذلك بمتاع الدنيا وجاهها. هاجر إلى الحبشة ثم إلى المدينة المنورة مبعوثا لتعليم الأنصار، ونال الشهادة في أوائل سنين الهجرة يوم أحد، وبات رمزا للبذل والتضحية ودور الشباب المسلم في الذود عن رسالة الإسلام.

المولد والنشأة

وُلد مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار القرشي العبدري -رضي الله عنه- في مكة في حدود 37 إلى 38 قبل الهجرة النبوية (585-586 م).

عُرف بأنه كان فتى مكة المدلل، وكان يفيض شبابا وجمالا، ونشأ منعما في بيت أبوين ثريين، كانا يغدقان عليه كل أسباب الدعة والراحة.

وأم مصعب بن عمير هي خُناس بنت مالك، وكانت امرأة ثرية ذات جاه ومهابة، وكانت تكسوه أحسن ما يكون من الثياب حتى لم يكن بمكة "أحسن لمة ولا أنعم منه".

كان مصعب من أوائل شباب مكة دخولا في دين الله، حين كان المسلمون يجتمعون سرا في دار الأرقم في أولى سنين الرسالة.

وكتم إسلامه مدة من الزمن، لكن عثمان بن طلحة رآه يصلي فوشى به إلى أمه وقومه، وما إن علموا حتى أوثقوه وعذبوه محاولين صده عن دينه.

وضرب مصعب مثالا للمؤمن القابض على الجمر تمسكا بإيمانه، ولم ينل منه إيذاء أهله ولا إغراؤهم، وهكذا تخلى عن متاع الدنيا واحتال للخروج من محبسه، والتحق بالصحابة المهاجرين إلى الحبشة.

ولمصعب 4 إخوة و3 أخوات، وكانت له بنت وحيدة هي زينب بنت مصعب، وأمها هي زوجه حمنة بنت جحش، أخت أم المؤمنين زينب بنت جحش رضوان الله عليهن.

أول سفير في الإسلام

عند عودته مع المسلمين إلى مكة بعد مقامهم في الحبشة، بعثه النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة مع الأنصار، الذين جاؤوا ليبايعوه بيعة العقبة الأولى.

وكان يفقه أهل المدينة في الدين ويقرئهم القرآن، كما كان يؤمهم في الصلاة، وهو أمر كان شأنه تخفيف التنافس الذي كان قائما في الجاهلية بين جناحي الأنصار، الأوس والخزرج، إذ "كره بعضهم أن يؤمه بعض" كما يروي ابن إسحاق.

وكان مصعب بن عمير أول المهاجرين إلى المدينة، ورُوي أنه أول من صلى بها الجمعة بالناس، وقد جذب بأسلوبه اللين وسمته الحسن خَلقا كثيرا من أهل المدينة، فدخلوا أفواجا في دين الله على يديه.

وكان منهم قادة أصبحوا من كبار الصحابة، كما كان لهم شأن في نشر الرسالة والذب عنها، كأُسيد بن حضير وسعد بن معاذ.

وتدل قصة إسلام سيد بني عبد الأشهل أسيد بن حضير من الأوس على أسلوب مصعب المتأني والمؤثر، إذ تروي كتب السير أن أسيدا قدِم على مصعب بينما كان يعلم بعض المسلمين في حائط (بستان) في المدينة، ودعاه إلى الكف عن "تسفيه أحلام ضعفاء قومه"، وكان أسيد غاضبا يحمل حربته.

لكن مصعبا تلقاه بابتسامة قائلا: "ألا تجلس فتسمع، فإن رضيت أمرا قبلته، وإن كرهته كُف عنك ما تكره؟"، وأمام الجواب الهادئ المنصف جلس أسيد يستمع إلى الذكر وانتهى الموقف المتوتر بإسلام الزعيم الأنصاري وتلاوته الشهادتين.

وأسهمت خصال مصعب التي ميزته من سكينة وأناة وعلم وقوة حجة في أدائه سفارة رسول الله على أكمل وجه، فانتشر الإسلام في المدينة المنورة، حتى لم تبق إلا بيوت معدودة لم يدخلها.

ومهد ذلك لهجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- والصحابة إلى المدينة، حيث أرسيت دعائم دولة الإسلام.

الجهاد والشهادة

وإلى جانب دوره في الدعوة وتمهيد الطريق لاستقرار المسلمين في المدينة، كان له حضوره في المعارك والغزوات، فشارك في غزوة بدر الكبرى وكان يتعاقب مع سويبط بن حرملة ومسعود بن ربيع ركوب جمل له.

وحمل لواء المهاجرين بغزوة بدر، وأبلى بلاء حسنا أسهم في النصر المبين، الذي أحرزه المسلمون على كفار قريش.

وفي غزوة أحد، كان مصعب بن عمير إلى جانب النبي -صلى الله عليه وسلم- والصحابة، في صد جحافل قريش التي جمعت للعدوان على المسلمين في المدينة، والثأر من هزيمتها يوم بدر.

وحمل مصعب اللواء مجالدا المشركين، وكان من الثلة التي ثبتت وقاتلت عن رسول الله، بعد أن اضطربت صفوف المسلمين إثر نزول الرماة من على جبل أحد.

وأظهرت وقائع استشهاده حاملا اللواء مشاهد من البسالة والتضحية الاستثنائية، إذ هاجمه عمرو بن قميئة الليثي وقطع يمناه، فبادر مصعب إلى حمل اللواء بيده اليسرى.

ثم حمل عليه من جديد فقطع يسراه، فتمسك مصعب باللواء بين عضديه، وفي الثالثة كرّ عليه ابن قميئة، وأنفذ فيه الرمح فوقع شهيدا رضي الله عنه.

وكان مصعب بن عمير يردد عند استشهاده الآية الكريمة "وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل" [آل عمران: 144].

وباستشهاده، ظن المشركون أنهم قتلوا الرسول صلى الله عليه وسلم.

وكانت زوجه حمنة بنت جحش من المسلمات اللائي شاركن في غزوة أحد، وسجلت كتب السير موقفها المؤثر حين نُعي إليها زوجها، فلم تتمالك أن قالت "واحزناه"، رغم أنها علمت قبله باستشهاد أخيها عبد الله بن جحش، وخالها حمزة بن عبد المطلب في المعركة، فكان جوابها الصبر والاحتساب.

زهد وتضحية

تحمل مصعب في سبيل إيمانه شظف العيش بعد النعمة، وإدبار ملذات الحياة بعد إقبالها، وتزخر السير بالمواقف التي أظهرت تضحيته وزهده في الحياة الدنيا وصبره على مشاقها في سبيل ما آمن به.

ويصف رفيقه في الهجرة إلى الحبشة عامر بن ربيعة كيف رأى مصعبا ورجليه تقطران دما من مشقة السفر، حيث كان رقيق البشرة، لم يعتد خشونة العيش مثل بقية رفاقه في رحلة الهجرة.

ويضيف في الثناء عليه "كان مصعب بن عمير لي خدنا وصاحبا منذ يوم أسلم إلى أن قُتل رحمه الله بأحد، خرج معنا إلى الهجرتين جميعا بأرض الحبشة، وكان رفيقي من بين القوم، فلم أر رجلا قط كان أحسن خلقا ولا أقل خلافا منه"، كما جاء في كتاب "الطبقات الكبرى" لابن سعد.

ووصف سعد بن أبي وقاص مصعبا قائلا: "كان مصعب بن عمير أنعم غلام بمكة وأجوده حلة مع أبويه، ثم لقد رأيته جُهد في الإسلام جهدا شديدا حتى لقد رأيت جلده يتحشف (أي يَيْبس ويتقبض) كما يتحشف جلد الحية".

وقد كان تأثير مصعب في الصحابة أنفسهم باديا، لا سيما ببلائه الحسن واستشهاده المبكر، حتى كان بعضهم يخاف أن تكون عُجلت لهم حسناتهم في الدنيا بعد ما أدركوا من انتصارات وفتوح وسعة في العيش، كما يؤثر عن خباب الذي يعد مصعبا "ممن مات ولم يأكل من أجره شيئا، ومنا من أينعت ثمرته فهو يهدبها".

استشهاد مصعب بن عمير

بعد مسار من التضحية والبذل والإعراض عن الدنيا، نال مصعب بن عمير الشهادة في بواكير العهد الإسلامي، وذلك في غزوة أحد في السابع من شوال من السنة الثالثة للهجرة (الموافق 25 مارس/آذار 625م).

وذلك إلى جانب نحو 70 من الصحابة، وقد توفي ولم يترك شيئا من متاع الدنيا، ولم يكن ثوبه الذي عليه يكفي حتى لتكفينه "إن غُطي رأسه، بدت رجلاه، وإن غُطيت رجلاه بدا رأسه".

وقد أمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- الصحابة بأن يغطوا باقي جسمه بنبات الإذخر. ووقف صلى الله عليه وسلم قبل وفاته بأيام على قبور شهداء أحد، وترحم عليهم قائلا: "إني شهيد على هؤلاء بأن صدقوا الله ما عاهدوه عليه".

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية