الشيخ خليل بن إسحاق شيخ المالكية ومفتيها

خليل بن إسحاق المالكي copy
مختصر الشيخ خليل بن إسحاق في الفقه المالكي (الجزيرة)

هو الشيخ خليل بن إسحاق، فقيه ومحدث ولغوي من أهل مصر، درس فيها ودرَّس، وجاهد وأفتى، وألف حتى لقب ضياء الدين، وكان معروفا بالاستقامة والزهد ودقة النقل والاستماتة في نشر العلم.

ولد في القاهرة، وتتلمذ على يد أبيه ومشايخ آخرين، فبرع في الفقه واللغة والحديث، وتخرج على يد عدد من العلماء، كما ألف مجموعة مؤلفات، من أشهرها "مختصر خليل في الفقه المالكي".

المولد والنشأة

هو أبو المودة خليل بن إسحاق بن يعقوب بن موسى الكردي المالكي، لم يذكر تاريخ دقيق يركن إليه يشير إلى مولده، لكنه ولد وتربى في القاهرة في بيت علم وصلاح، فقد كان أبوه فقيها حنفيا وإن كانت ملازمته لابن الحاجب شدته إلى المالكية وأثرت في دراسته وتوجهه.

عُرف منذ نعومة أظفاره بالجد والمثابرة والصدق ودقة النقل والصرامة في تحقيق أهدافه العلمية والتوجيهية والحرص على العمل بما علم.

الدراسة والتكوين

درس الشيخ على والده ومحيطه الخاص دراسة أولية، ثم على يد شيخه الفقيه ابن الحاجب والعلامة عبد الهادي عبد الغني اللغة وأصول الدين، وتبحر في الفقه المالكي على يد شيخه المنوفي.

وإذا كانت شهرته بالفقه طغت على جوانب حياته الأخرى فإن له بصمات تذكر في اللغة والأصول والحديث، ولديه تاريخ ناصع في الجهاد.

المهام التي قام بها

دخل الإسكندرية في بداية القرن الثامن الهجري جنديا مجاهدا وساهم في تحريرها، وظل يلبس لباس الجندية حتى توفي.

وقد درَّس في الإسكندرية والقاهرة، وأفتى وألف إلى أن تولى تدريس الفقه والحديث واللغة بالمدرسة الشيخونية أكبر مدارس مصر آنذاك، وعرف فيها بمدرس المالكية، كما حج وأقام في الحرمين فترة يذاكر علماءهما.

آثاره العلمية

تتلخص آثاره العلمية في أمرين: أولهما عدد العلماء المتخرجين على يديه ونوعهم، والآخر: ما تركه من نفائس المؤلفات، فقد خرّج الشيخ خليل نخبة من خيرة العلماء، مثل خلف النحريري ومحمد الغماري ويوسف البساطي وبهرام والتاج الإسحاقي وغيرهم.

ومن أهم المؤلفات التي تركها:

  • شرح ألفية بن مالك في النحو والتصريف.
  • التوضيح على مختصر ابن الحاجب، الذي اختصر فيه شرح ابن عبد السلام في 6 مجلدات عزا فيها الأقوال ووضح الإشكال، وأضاف المختصر الأصلي إلى الفرعي.
  • كتاب عن مناقب شيخه المنوفي.
  • شرح على المدونة الكبرى للإمام مالك، لكنه لم يكتمل.
  • مخدرات الفهوم في ما يتعلق بالتراجم والعلوم، أصّل فيه لمناهج البحث والتراجم والتوثيق.
  • مختصر خليل في الفقه المالكي، وهو مما اشتهر به، واستطاع أن يجمع فيه مشهور مذهب الإمام مالك بأسلوب مختصر فريد في حسن التبويب، وفائق في دقة المصطلحات، مع جمع ما أمكن من المسائل الفقهية تحت قاعدة واحدة، ووضع له قائمة مفاتيح ذكرها في مقدمته لا يمكن استيعابه ولا تدريسه دونها.

لاقى هذا المختصر قبولا منقطع النظير في أنحاء شاسعة من الأرض كالغرب الإسلامي وأفريقيا حتى قيل إنه أصبح المرجع الأساس إن لم يكن الوحيد للفقه المالكي فيها.

وقد ألفت عليه شروح كثيرة، إضافة إلى التحقيقات والتمحيصات وفك الرموز والمصطلحات.

مختصر خليل بن إسحاق copy
مختصر الشيخ خليل بن إسحاق (الجزيرة)

بدأت هذه الشروح والتحقيقات منذ ظهور الكتاب حتى اليوم، فتجاوزت 200 مؤلف، من أبرزها وأقدمها شروح تلامذته، ومنهم العلامة بهرام الذي وضع عليه الشروح الثلاثة: الصغير والأوسط والكبير.

ثم امتدت إلى الغرب الإسلامي مع ابن مرزوق التلمساني والحطاب والمواق والدسوقي وابن غازي وعليش، ليأتي علماء الشناقطة وأروان بدورهم فيوسعوه خلال القرون الأربعة الأخيرة شرحا ونظما وتمحيصا، وممن شرحه منهم:

  • العلامة ألفق الخطاط.
  • العلامة حبيب الله بن القاضي.
  • العلامة محنض باب بن اعبيد.
  • العلامة محمد بن محمد سالم.

وممن نظمه منهم نظما كاملا:

  • العلامة محمد بن الطلبة اليعقوبي.
  • العلامة محمد مولود بن أحمد فال.
  • العلامة محمد سالم بن عبد الودود.

ومن المؤلفات التي كتبت لتنقيحه وتمحيصه كتاب "فتح الرب اللطيف في تخريج ما في المختصر من الضعيف" للقاضي طالب بن الوافي الأرواني.

آراء العلماء في الشيخ خليل ومختصره

يقول فيه الحافظ بن حجر العسقلاني "كان صينا عفيفا نزيها".

ويقول عنه الإمام ابن القيم "لم تزل ألطاف الله بالمالكية تتوالى حتى أخرج لهم شابا جمع لهم مذهبهم في أوراق يتأبطها الرجل ويخرج، وهو عمدة المذهب اليوم يحفظه الناس كما يحفظون القرآن".

وقال العلامة ابن غازي "كان مشتغلا بما يعنيه حتى حكي عنه أنه أقام 20 سنة بمصر لم ير النيل".

ويقول الإمام ناصر الدين اللقاني في تقديره والاقتداء به "نحن ناس خليليون إن ضل ضللنا".

ويقول العلامة الحطاب في المختصر "لم تسمح قريحة بمثله ولم ينسج على منواله، إلا أنه لفرط الإيجاز كاد يعد من جملة الألغاز".

ويقول فيه العلامة أحمد بابا التنبكتي "لقد وضع الله له القبول من زمنه إلى الآن، فعكف الناس عليه شرقا وغربا حتى آل الحال في الأزمنة المتأخرة إلى الاقتصار عليه في البلاد المغربية وغيرها".

الوفاة

توفي الشيخ خليل -رحمه الله- في ربيع الأول سنة 776 هجرية، وكان عدد المصلين عليه والمشيعين لجنازته لافتا للانتباه حتى كاد الناس يقتتلون على مباشرة كل حلقة من مراسم دفنه وتشييعه، لما حظي به في قلوبهم من مكانة علمية ودينية.

المصدر : الجزيرة