يعقوب سركيس.. الكاتب العراقي صاحب أشهر مكتبات الشرق الشخصية

غلاف كتاب "مباحث عراقية" للكاتب يعقوب سركيس (الجزيرة)

يعقوب نعوم سركيس، كاتب ومؤرخ وباحث موسوعي يعد من أبرز مؤرخي الفترة العثمانية في العراق، واختص في بحوث التاريخ والجغرافيا والبلدان. اتسمت كتاباته التاريخية بالدقة والطرافة، ولد عام 1876 في بغداد، وترك عشرات الكتب والمخطوطات والمقالات إرثا له، واشتهر بمكتبته التي تضم كتبا ومخطوطات نادرة. وتوفي سنة 1959.

المولد والنشأة

ولد يعقوب نعوم سركيس من أسرة أرمنية في بغداد عام 1876، وكان والده قد هاجر حلب في أوائل القرن الـ19 بسبب كثرة الزلازل التي حصلت فيها آنذاك، وعاش طفولته في بغداد.

الدراسة والتكوين

درس في المدارس المسيحية الكاثوليكية، وتعلم فيها العربية والفرنسية والتركية، وبعد تخرجه في مدرسته كلف بالتدريس فيها مدة وجيزة نيابة عن أحد المعلمين المجازين. وبعدها وجهه والده للعمل الكتابي في بعض البيوتات التجارية ليتعلم المراسلة والمعاملات.

ولم يستطع إكمال دراسته لظروف قاهرة، حيث توفي والده وهو لا يزال في الـ17 من عمره، فانتقل مع عمه إلى "إمارة المنتفق" جنوب العراق لإدارة أملاك والده التي حصل عليها من شيوخ آل السعدون مقابل الخدمات التي قدمها لهم.

رحلة التوثيق

وخلال جولاته في مناطق العراق الجنوبية، حرص سركيس على التواصل مع العشائر والأهالي هناك، للتعرف على أحوالهم وتاريخهم ووثائقهم.

وحرص منذ بدايات شبابه على جمع المخطوطات والوثائق واقتنائها، وهو ما ساعده لاحقا في كتاباته التاريخية المهمة التي اتسمت بالدقة والطرافة.

وكتب أول مقالة له بطلب من صديقه الأب إنستاس ماري الكرملي ونشرها في مجلته "لغة العرب" عام 1913، ليواصل بعد ذلك كتابة المقالات والأبحاث التي تهتم بالبلدان وسكانها وتاريخها ونشرتها كبريات الصحف والمجلات، حتى رحيله.

نتاجه الفكري

وترك سركيس خلال مسيرته عشرات الكتب والمخطوطات والمقالات، والتي أصبح الكثير منها بمثابة مراجع موثوقة لتلك المرحلة.

واعتمدت أبحاث يعقوب سركيس ودراساته ضمن مصادر تاريخ العراق في أواخر العهد العثماني، إذ يشير إليها باحثو التاريخ في تحقيقاتهم العلمية.

وتنوع نتاجه الفكري، الذي بذل فيه مجهوداته طوال أكثر من 40 عاما، ليتناول العديد من المواضيع مستقيا معلوماته من مخطوطات نادرة.

وتميز أسلوب كتاباته بالبلاغة ودقة التعبير وحسن صياغة الجمل بما يجعلها واضحة لا تقبل اللبس، وكان يحرص على اقتناء معلومات فريدة من مصادره النادرة التي لم يتطرق إليها من كان قبله من الباحثين.

وعمد في أواخر حياته إلى جمع قسم كبير من آثاره ومكتشفاته في كتاب أسماه "مباحث عراقية" صدر أول جزأين منه في حياته، ولم يصدر الثالث إلا بعد رحيله بسنوات.

من أبرز المواضيع التي تناولها:

  • تاريخ بعض قبائل العراق.
  • آثار بغداد.
  • بحوث أثرية.
  • دراسة مجموعة من مدن العراق.
  • بحوث في الملل والنحل وعقائدها في العراق.
  • تراجم لكوكبة من أعلام العراق.
  • طرائف تاريخية.
  • مباحث في التاريخ الاقتصادي.

مكتبته

وكان يعقوب سركيس يمتلك مكتبة ضخمة هي واحدة من أندر المكتبات الشخصية في العراق والمنطقة وأشهرها، لما تكتنزه من مخطوطات وكتب نادرة بمختلف اللغات ولا تتوفر عند غيره.

وكانت مكتبته تطل من بيته على دجلة في محلة المربعة في بغداد، قرب جامع السيد سلطان علي، وله مجلس يحضره عدد كبير من العلماء والأدباء والمحققين والمؤرخين.

وتشير بعض المصادر إلى أن السر وراء وجود هذه الوثائق النفيسة في مكتبته يعود إلى ما وجده في صندوق أخواله آل عبود، وهو مملوء برسائل كان قد بعث بها أجداد أسرته، بعضهم إلى بعض من حلب وبغداد والبصرة وغيرها، بقصد التجارة، وفيه أوراق تجارية مختلفة تتعلق بأواخر القرن الـ18 وأوائل القرن الـ19، وذكر أصحابها في سياق كلامهم حوادث ووقائع متنوعة.

كما ضمّت هذه الدفينة الوثائقية أوراقا أدبية وتاريخية مختلفة، أشار إليها سركيس في مباحثه تتضمن قصائد شعرية ورسائل شخصية وأوراقا تجارية وسواها.

ومع اقتراب وفاته أوصى بإهداء هذه المكتبة إلى جامعة الحكمة في بغداد، ثم تحولت مقتنيات المكتبة لاحقا إلى المتحف العراقي ومكتبة متحف كركوك.

وفاته

وبعد مسيرة علمية حافلة، توفي الكاتب يعقوب سركيس في شهر ديسمبر/كانون الأول عام 1959، ولا تزال آثاره العلمية ماثلة حتى يومنا الحاضر.

المصدر : مواقع إلكترونية