جنين.. مدينة عريقة عصية على الاحتلال

يعود تاريخ مدينة جنين إلى عصور قديمة، وهي واحدة من أقدم المدن المأهولة بالسكان في العالم. تقع في الضفة الغربية المحتلة في فلسطين. وتتكون محافظة جنين من مدينة جنين (المركز)، ومخيم جنين، ومجموعة من القرى. وعُرفت المدينة بمقاومتها للاحتلال الإسرائيلي، لا سيما مخيمها، الذي أضحى رمزا للصمود والمقاومة. ويتعرض لعمليات عسكرية مستمرة في محاولة للقضاء على المقاومة فيه.

الموقع

تقع جنين على امتداد الخط الأخضر لعام 1948 شمال الضفة الغربية الخاضعة لسيطرة السلطة الفلسطينية على بعد 75 كيلومترا شمال مدينة القدس، ويطل شرق المدينة على غور الأردن.

وتقع جنين على السفح الشمالي لجبال نابلس، التي تبعد عنها مسافة 41 كيلومترا، وتطل على سهل مرج ابن عامر. كما يقطن قسم كبير من بناياتها على "تل عز الدين" شرقي المدينة.

وتعد محافظة جنين كبرى محافظات الضفة الغربية. وتتكون من مدينة جنين مركز المحافظة، ومخيم جنين وعدد من القرى، فقد كانت تضمّ قبل النكبة نحو 70 قرية كبيرة وصغيرة، إلا أن العدد انخفض بعد النكبة ليصبح في الوقت الحالي 43 قرية.

وتنقسم جنين إلى 13 بلدية: يعبد، وسيلة الظهر، وعرابة، وقباطية، وكفردان، وبرقين، وسيلة الحارثية، والزبابدة، وفقوعة، واليامون، وكفر راعي، وميثلون، وجبع.

تبلغ مساحة محافظة جنين 583 كيلومترا مربعا، أي ما يمثل 9.7% من مساحة الضفة الغربية. أما مدينة جنين، فتبلغ مساحتها 37.3 كيلومترا مربعا.

عاطف دغلس- مدخل مخيم جنين حيث تلقي قرية برقين والمخيم وبحكم قرب القرية من المخيم كان حصنه ويده المقاومة-الضفة الغربية-جنين- برقين- الجزيرة نت5
مخيم جنين أُنشئ لإيواء مهجّري النكبة عام 1948ممَّن استولت إسرائيل على منازلهم بعد طردهم (الجزيرة)

مخيم جنين

يعد مخيم جنين ثاني أكبر مخيمات الضفة الغربية بعد مخيم بلاطة. وقد أُنشئ عام 1953 غرب المدينة، حيث يطل على سهل مرج بن عامر شمالا، أما من جهة الجنوب فيتصل بقرية برقين. وهو محاط بالمرتفعات.

بلغت مساحة المخيم حين إنشائه 0.37 كيلومتر مربع، ثم توسعت مساحته لتبلغ 0.42 كيلومتر مربع.

السكان

عام 1922، بلغ عدد سكان جنين 2637 نسمة. ثم زاد عام 1945 إلى 3990 نسمة. وتضاعف على نحو كبير عام 1961 فبلغ 14 ألفا و402 نسمة. وقل العدد قليلا عام 1967 ليبلغ 13 ألفا و365 نسمة.

وعام 1987، وصل عدد السكان إلى 17 ألفا و534 نسمة، وبقي في تزايد حتى بلغ عام 1996 ما يقارب 23 ألفا و800 نسمة. وعام 2019 بلغ عدد سكان مدينة جنين 62 ألفا و373 نسمة، ويتوقع أن يصل عدد سكان المدينة عام 2030 إلى 84 ألفا و871 نسمة.

أما سكان المخيم، فينحدر معظمهم من مدينة الكرمل في حيفا وجبال الكرمل. وقد انتقلوا إلى المخيم بعد تهجيرهم خلال النكبة.

وبلغ عددهم عام 1967 ما يقارب 5 آلاف نسمة، وعام 2007 وصل عدد السكان إلى ما يقارب 10 آلاف نسمة. وحسب تقديرات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، بلغ عدد سكان المخيم منتصف عام 2023 نحو 11 ألفا و674 لاجئا.

إلا أن وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) تشير إلى أن عدد اللاجئين المسجلين في المخيم اعتبارا من عام 2022 يصل إلى 23 ألفا و628 لاجئا. وتشير الوكالة إلى أن هذا العدد لا يمثل جميع لاجئي المخيم، بل يشير إلى عدد اللاجئين المسجلين بالوكالة فحسب.

التاريخ

يجمع علماء الآثار على أن مدينة جنين نشأت في العهد الكنعاني، وكانت عبارة عن قرية تسمى "عين جيم"، وذلك في حدود عام 2450 قبل الميلاد، وتعد من أقدم المدن المأهولة في العالم. وقد تعرضت للغزو من جهة الشمال والجنوب بسبب موقعها.

تغير اسم المدينة في العهد الروماني فأصبحت "جيناي". وحين حكم البيزنطيون بنوا فيها كنيسة "جينا"، التي عثر على شيء من آثارها بجانب الجامع الكبير في جنين. وقد أرجع المنقبون تاريخ إنشاء الكنيسة إلى القرن السادس الميلادي.

وفي القرن السابع الميلادي، دخلها المسلمون وسكنت فيها قبائل عربية، وسموا المدينة جنين نسبة إلى الجنائن المحيطة بها.

وخلال الحروب الصليبية، سقطت جنين في أيدي الإفرنج، فحصنوها بأسوار وقلاع، لكن بعد معركة حطين دخلها المسلمون عام 1187م. ونزل بها صلاح الدين الأيوبي في طريقه إلى دمشق.

ازدهرت جنين خلال الحكم العثماني، إذ أُسِّسَ فيها أول مجلس بلدي عام 1886. وفي القرن الـ20 أدت خطوط السكك الحديد إلى وصل جنين بعدد من المدن، منها العقولة وبيسان ونابلس. وخلال الحرب العالمية الأولى، أنشأ الجيش الألماني مطارا عسكريا غرب مدينة جنين.

وقد تعرضت المدينة للانتداب البريطاني مثل بقية أراضي فلسطين. وغادرها الإنجليز عام 1948، وهو العام المعروف بـ"عام النكبة".

وعام 1949، أصبحت جنين خاضعة لحكم الإدارة الأردنية الهاشمية. وبقيت تحت الحكم الأردني إلى حين احتلتها إسرائيل عام 1967، وبقيت خاضعة للاحتلال الإسرائيلي إلى عام 1995، إذ انتقلت إلى إدارة السلطة الوطنية الفلسطينية بموجب اتفاق غزة–أريحا. وأصبحت مدينة جنين مركزا لمحافظة جنين.

عاطف دغلس-مقبرة قرية برقين-الضفة الغربية-جنين-برقين-الجزيرة نت9
قرية برقين التي مر عبرها يسوع المسيح حين شفى الـ10 البرص المنعزلين في مغارة بطرف القرية (الجزيرة)

اجتياح المخيم 2002

ومطلع أبريل/نيسان 2002، تعرض مخيم جنين لعملية عسكرية إسرائيلية واسعة بهدف القضاء على قوات المقاومة وجنودها في المخيم.

قبل حصار المخيم، توجهت القوات الإسرائيلية إلى مدينة جنين فطوقتها وسيطرت على المداخل والمخارج، ثم حاصرت المخيم لمدة 10 أيام، وقطعت عنه الكهرباء والماء.

واجتاح الجيش المخيم وأعلنه منطقة عسكرية مغلقة، مستخدما المروحيات العسكرية و60 دبابة، بالإضافة إلى الجرافات التي استخدمها لتوسيع الطرق وهدم المنازل، وفق ما ورد في تقرير الأمم المتحدة الصادر مايو/أيار 2002.

وفرض الجيش الإسرائيلي حظرا للتجول على سكان المخيم ومنع أي جهة من دخوله، بما في ذلك سيارات الإسعاف والصليب الأحمر والعاملون بالقطاعين الإنساني والطبي.

وفي أثناء عمليات اجتياح المخيم، عمد الجيش الإسرائيلي إلى تدمير المساكن والمنازل واستهداف البنى التحتية والهياكل الأساسية للسلطة الفلسطينية، بالإضافة إلى تدمير المباني، إذ تمت تسوية 10% من المخيم بشكل كلي بالأرض. بالإضافة إلى تضرر 100 مبنى تضررا جزئيا، مما أدى إلى تشرد 4 آلاف شخص وفقدانهم المأوى.

وأوضح تقرير الأمم المتحدة أن القوات الإسرائيلية استخدمت المدنيين دروعا بشرية، وقامت بعمليات قتل غير مشروعة. كما منع الجيش مرضى الكلى من الوصول للمستشفى لإجراء الغسيل الكلوي.

وأشار تقرير صدر عن المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان أنه خلال أيام الاجتياح وُجدت جثث متفحمة وأخرى متعفنة تحت الأنقاض، وأن القوات الإسرائيلية كانت تنفذ عمليات إعدام ميداني في شوارع المخيم، لا سيما المدنيين الذين رفضوا مغادرة منازلهم والمسلحين الذين استسلموا بعد نفاد ذخيرتهم.

واجهت قوات الاحتلال الإسرائيلي مقاومة عنيفة في أثناء عمليات الاجتياح، فوفقا لرواية جيشه فإن الجنود الإسرائيليين واجهوا أكثر من ألف عبوة متفجرة، بالإضافة إلى مئات القنابل اليدوية ومئات الرجال المسلحين.

ويشار إلى أن العملية العسكرية تغيرت بعد يوم التاسع من أبريل/نيسان، وهو اليوم الذي تعرض فيه 13 جنديا إسرائيليا لكمين محكم أدى إلى القضاء عليهم، وهو كمين نفذته كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) وكتائب شهداء الأقصى، الجناح العسكري لحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح).

وكانت نتائج هذه العملية اقتحام الاحتلال للمخيم ومقتل ما لا يقل عن 52 فلسطينيا، نصفهم من المدنيين. ومقتل 23 إسرائيليا، وفقا لتقرير الأمم المتحدة.

ويعدّ مخيم جنين معقلا للفصائل الفلسطينية المقاومة التي اتحدت في مواجهة القوات الإسرائيلية. كما أنه مركز للمطلوبين للاحتلال من المقاومة، لذا يتعرض باستمرار لعمليات عسكرية إسرائيلية واقتحامات بهدف القضاء على المقاومة واعتقال مطلوبين.

وقد استشهدت الصحفية في قناة الجزيرة شيرين أبو عاقلة برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي في أثناء تغطيتها إحدى الاقتحامات الإسرائيلية للمخيم يوم 11 مايو/أيار 2022.

أبرز المعالم التاريخية والسياحية في جنين

كنيسة برقين

تقع كنيسة برقين في قرية برقين التابعة لمحافظة جنين، وتبعد القرية 5 كلم جنوب جنين. وتقع الكنيسة على المنحدر الشمالي من المركز التاريخي للقرية مطلة على وادي برقين، وتسمى كنيسة جوارجيوس (الخضر) وتتبع لطائفة الروم الأرثوذكس.

وقد بنيت الكنيسة على مراحل، بدأت في الفترة البيزنطية إذ كانت الكنيسة حينها عبارة عن كنيسة الكهف وبئر روماني. وفي الفترة الواقعة ما بين القرنين السادس والتاسع الميلاديين، بنيت كنيسة أمام الكهف كما ورد في الوثائق الإفرنجية والعثمانية. أما الكنيسة بشكلها الحالي، فقد بنيت في القرن الـ18 وتتكون من الكهف والقاعة الرئيسية وصحن الكنيسة.

الجامع الكبير

يقع الجامع الكبير وسط مدينة جنين، ويعود تاريخ إنشائه إلى أواخر عهد السلطان سليمان القانوني سنة 1566. وبني بأمر من فاطمة خاتون بنت محمد الأشرف بن قانصوه الغوري سلطان المماليك.

وقد بني هذا المسجد على أنقاض مسجد صغير أُنشئ في عهد عمر بن الخطاب حينما فتح القدس. واحتوى المسجد عند بنائه على وقف مكون من تكية لإطعام الفقراء وعابري السبيل ومخبز أقيم للهدف ذاته.

كما تضم أيضا مكتبة ضخمة وحماما تركيا بقبة كبيرة. وقد هدمت بلدية جنين الحمام بدل ترميمه في خمسينيات القرن الماضي، وحولته إلى ساحة عامة.

ولا يزال المسجد يحتفظ بمكانته الدينية والتاريخية إلى الوقت الحالي، وتقام فيه حلقات التعليم الديني والقرآن الكريم.

نفق بلعمة

اكتشف النفق عام 1996 في أثناء عمليات حفر وتوسعة للشوارع. ويقع أسفل خربة بلعمة الأثرية. وهو متعرج ويبلغ طوله 115 مترا. ويعد أطول الأنفاق المائية في فلسطين ويتكون من 3 أجزاء: المدخل المقبب، والجزء المدرج الصاعد، ثم الممر المبني من الحجارة.

وعام 2005، أصبح متاحا للزيارة باعتباره أحد الأماكن الأثرية. ويعود تاريخ النفق إلى العصر البرونزي أي إلى عام 3000 قبل الميلاد.

تل الحفيرة (تل دوثان)

وهو تل يقع على بعد 8 كيلومترات جنوب مدينة جنين، إلى جانب سهل عرابة من الناحية الشرقية. وعند أسفل طرفه الجنوبي، يوجد نبع مياه قديم يشكل مصدر الماء الوحيد المتاح هناك.

يحتوي التل على مجموعة من الآثار تعود لعصور قديمة مختلفة. وفيه آثار تدل على أنه كان مأهولا بالسكان منذ زمن قديم.

تل تعنك

يقع التل في الطرف الجنوبي من سهل مرج ابن عامر. ويبعد نحو 8 كيلومترات شمال غرب مدينة جنين. وله موقع إستراتيجي على الطريق الرئيسية بين حيفا وجنين.

وذكر اسمه في رسائل تل العمارنة عام 1350 قبل الميلاد، كما ورد في بعض الكتب المقدسة وفي الآثار القديمة على أنه مدينة. أما القرية الفلسطينية تعنك، فقد أقيمت حديثا على المنحدر الجنوبي الشرقي من التل.

المصدر : الجزيرة + ويكيبيديا