الزراعة في الجزائر.. الشمال يعتمد على الآلات والجنوب يستثمر في اليد العاملة

قطاع الزراعة في الجزائر يساهم بنسبة 12.4% من إجمالي الناتج المحلي الخام (رويترز)

الجزائر – رغم كون الزراعة ثاني أكبر قطاع في الجزائر بعد النفط، ووسط تعويل الحكومة على إحداث ثورة في هذا القطاع لتحقيق الأمن الغذائي، فإن اليد العاملة تعيش "ظاهرة متناقضة" بين شمال البلاد وجنوبها، إذ تظهر البيانات حالة عزوف شمالي مقابل وفرة جنوبية.

وتشير أرقام رسمية صادرة عن وزارة الفلاحة (الزراعة) الجزائرية في ديسمبر/كانون الأول 2021، إلى عودة ارتفاع عدد اليد العاملة بالقطاع الزراعي في البلاد، حيث وصل إلى 2 مليون و600 ألف عامل، يعملون في 1.26 مليون مشروع استثماري فلاحي.

ويساهم قطاع الفلاحة في الجزائر بنسبة 12.4% من إجمالي الناتج المحلي الخام بقيمة 25 مليار دولار سنويا، حيث تمكن من تحقيق متوسط نمو في العقد الأخير وصل إلى 2.7%، مع تغطية الاحتياجات الغذائية للبلاد بنسبة 73%.

وتظهر الأرقام الرسمية عودة ارتفاع معدل اليد العاملة بالزراعة في الجزائر في الأعوام الأخيرة، إذ ارتفع من 900 ألف عامل في 2018 إلى 2.6 مليون مع نهاية العام الماضي، مع غياب إحصائيات رسمية عن معدل اليد العاملة بين شمال البلاد "المعقل التاريخي للزراعة الجزائرية" وجنوبه الذي بات منذ العقد الأخير قطبا زراعيا قلب معادلة الزراعة في البلاد.

غير أن الكثير من المزارعين أصحاب المشاريع الاستثمارية وخبراء الزراعة لهم آراء أخرى رصدتها الجزيرة نت، وكشفت عمّا اتفقوا على تسميته "ظاهرة اليد العاملة المتناقضة بين الشمال والجنوب"، إذ أبدى بعض فلاحي الشمال مخاوفهم من تراجعها في مقابل توجهها لقطاعات أخرى والتي سببت لهم خسائر مالية أجبرتهم على تعويض اليد العاملة بالآلة.

وما يعزز هذه المفارقة في اليد العاملة، وفرتها بمناطق صحراوية على رأسها محافظة "وادي سوف" الواقعة جنوبي شرقي الجزائر والتي تعرف بـ"سلة غذاء الجزائر"، حيث تمكن قطاع الزراعة من التخلص من 80% من حجم البطالة في الولاية، وباتت أيضا قبلة للشباب الجزائري للعمل في الأرض من مختلف محافظات البلاد.

الأرقام الرسمية تظهر عودة ارتفاع معدل اليد العاملة بالقطاع الزراعي في الجزائر في الأعوام الأخيرة (رويترز)

معوقات زراعية

يذكر المهندس الزراعي باديس محمد للجزيرة نت أن القطاع الزراعي هو ثاني قطاع اقتصادي بعد النفط في الجزائر، ويمثل حوالي 13% من الناتج الخام للبلاد.

وأشار الخبير الزراعي إلى وجود مشاكل عديدة:

  • مشكلة "العقار الزراعي".
  • عدم احترام المسار التقني.
  • عدم التحكم بالظروف المناخية.
  • نقص اليد العاملة.

وفيما يخص الأيدي العاملة، أوضح "بأنها قليلة وإن وُجدت فهي غير مؤهلة"، وعزا ذلك إلى جملة من الأسباب، وذكر من بينها "التاريخية المرتبطة بالعشرية السوداء خلال تسعينيات القرن الماضي"، وهي الفترة التي شهدت أزمة أمنية خطيرة.

 وقال باديس إن "الفلاحة كانت متمركزة في العقود الماضية بالأرياف البعيدة عن المدن، لكنها بدأت تندثر منذ العشرية السوداء والتي دفعت الكثير من الفلاحين إلى الفرار نحو المدن، وبالتالي فإن أبناءهم نشؤوا في المدن، والذين لم تعد لهم الرغبة للعمل في المجال الفلاحي".

أما السبب الثاني الذي ذكره الخبير الزراعي فهو إغلاق الكثير من المعاهد المختصة في تكوين اليد العاملة والتقنيين المختصين في الزراعة.

وثالث أسباب نقص اليد العاملة بالقطاع الزراعي في الجزائر هو "المكننة الزراعية"، وفق باديس، ويقصد بها "اعتماد الكثير من الفلاحين على الآلات الزراعية لتعويض اليد العاملة القليلة".

لكنه لفت إلى أن هذه "المكننة" أوقعت إشكالا جديدا يتمثل في أن "المكننة الفلاحية لم تواكب العصر، بحكم تطور الآلات الزراعية تطورا رهيبا في العالم، ومؤخرا صدر قرار عن رئيس الجمهورية لصالح الفلاحين والمستثمرين لاستيراد العتاد الفلاحي أقل من 3 سنوات"، معتبرا بأن ذلك سيعطي نتائج إيجابية على المدى المتوسط والبعيد.

وأشار إلى أن بقاء الاعتماد على الآلات "وضع القطاع الزراعي الجزائري أمام عدم العصرنة وتضييع اليد العاملة، كما أن المكننة لم تفِ بالغرض".

مفارقة زراعية

من جانبه، تحدث حليم محفوف (35 عاما) وهو صاحب استثمار زراعي للكروم بمحافظة بومرداس الساحلية (وسط الجزائر) عن جملة من الصعوبات التي واجهت مشروعه الاستثماري بسبب ما يعتبره "عزوف الشباب عن الفلاحة"، وأكد على أن نقص اليد العاملة "يؤدي حتى إلى تغيير فكرة الاستثمار" كما حدث معه.

وأشار إلى وجود "مفارقة زراعية" في الجزائر، وهي تزايد "الاهتمام بالاستثمار الفلاحي من قبل الجزائريين" في مقابل عزوف اليد العاملة عن العمل في الأرض.

وقال للجزيرة نت، "قبل نحو 10 أعوام كانت اليد العاملة تأتي من غرب الجزائر بشكل شبه يومي، وهي الظاهرة التي لم تعد موجودة اليوم".

ويرى المستثمر الزراعي أن السبب الأول والرئيسي للعزوف عن القطاع الزراعي هو اعتماد نظام منح القروض للشباب للقيام بمشاريع استثمارية، منذ العام 2015.

وعن الحلول أو البدائل التي حاول أن يغطي بها نقص اليد العاملة لمساعدته في مشروعه الاستثماري، أشار إلى محاولته تشغيل اليد العاملة القادمة من دول أفريقية، "لكن نصحونا بعدم المجازفة لأنهم يقيمون بطريقة غير قانونية ولا يملكون وثائق".

وأضاف، "نعاني من نقص اليد العاملة، ووجود الآلات فعلا حل بديل إلى حد كبير، لكن المشكلة أنني وجدت نفسي مضطرا لتقليص عدد البيوت البلاستيكية التي تحتاج إلى يد عاملة بشرية وليست آلية، ولجأت للاستثمار في الشجرة مباشرة التي تتطلب الآلة فقط".

القطاع الزراعي هو ثاني قطاع اقتصادي بعد النفط في الجزائر (رويترز)

قِبلة اليد العاملة

على النقيض من ذلك، كشف بكار غمام حامد، وهو مستثمر فلاحي ورئيس جمعية "منتجي البطاطس" بمحافظة وادي سوف (جنوب شرق) التي باتت تلقب بـ"سلة غذاء" الجزائر؛ عن أن الزراعة تمكنت من "القضاء على نحو 80% من معدل البطالة لدى شباب المحافظة وبأنها تمكنت أيضا من استقطاب يد عاملة من محافظات أخرى".

وأشار إلى أن "المستثمر الفلاحي يعتمد على العنصر البشري في كل العمليات الزراعية، وولاية وادي سوف هي قطب فلاحي بامتياز، حيث تعتمد كليا على اليد العاملة في أكبر مساحة مغروسة باليد في الجزائر، تقدر بنحو 30 ألف هكتار، وهي اليد العاملة التي تأتي حتى من محافظات غرب الجزائر".

لكنه عاد للحديث عن تطور الشُّعب الفلاحية بإدخال الآلات الزراعية المتطورة، وذكر بأن "أكبر عمليات الغرس أو الجني (في ولاية وادي سوف) نعتمد فيها على العنصر البشري"، لكنه أقر في المقابل بمواجهة المستثمر الزراعي في الولاية "مشكلة قلة اليد العاملة في ذرة الغرس، خاصة في أغسطس/آب، حيث وصلت درجات الحرارة إلى 50 درجة مئوية".

وأشار في حديثه مع الجزيرة نت إلى أنه من أنصار "مكننة الفلاحة لمواكبة النهضة الزراعية بوادي سوف التي تساهم في المنتوج الفلاحي للجزائر، وأيضا لتعويض نقص اليد العاملة في فترات معينة".

وأثنى على دور "المستثمرات الفلاحية" في امتصاص البطالة داخل الولاية وخارجها، وكشف أيضا عن أن الزراعة بالمحافظة "أكبر مستقطب لليد العاملة وتمكنت من امتصاص ما يقارب 80% من نسبة البطالة في المنطقة، من بينهم خريجو الجامعات".

وقدم أمثلة عن العدد الهائل لليد العاملة بمحافظة وادي سوف خلال فصل الشتاء وهي الفترة التي يتم فيها جني البطاطا، وقال إنها "من أصعب الفترات على تلك اليد العاملة كونها تجني البطاطس من السادسة صباحا في طقس بارد جدا، وتجد السيارات النفعية تجوب كل المسالك الفلاحية الوعرة، وفي كل سيارة ما يزيد على 20 عاملا، ويلبون متطلبات القلع باليد".

وقدم للجزيرة نت إحصائية عن جني 4 آلاف طن يوميا من البطاطا باليد، توزع عبر نحو 800 شاحنة تنتقل إلى جميع محافظات البلاد.

وعن مسألة "تأهيل اليد العاملة" يرى الخبير الزراعي بأنها ليست مؤهلة من حيث التكوين، لكن نظرا للتمرس اليومي ووجود الأراضي الرملية الهشة وليست الصلبة، يمكن للعامل جلب حبات البطاطا من تحت ذلك الرمل، وهذا ساعد العمال.

المصدر : الجزيرة