الجزائر تطرح الموازنة الأضخم في تاريخها لعام 2023.. هل تدعم اقتصاد البلاد؟

لؤي أحمد - الجزائر - البرلمان الجزائري في جلسة علنية - المصدر صفحة البرلمان على فايسبوك
لجنة المالية في البرلمان الجزائري شرعت منذ 24 أكتوبر/تشرين الأول الماضي في مناقشة مشروع قانون المالية لعام 2023 (مواقع التواصل)

الجزائر– قدمت الحكومة الجزائرية أضخم موازنة في تاريخ البلاد إلى البرلمان المكوّن من 407 نواب، أملا في الحصول على 100 مليار دولار لعام 2023.

وشرعت لجنة المالية في البرلمان الجزائري، منذ 24 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، في مناقشة مشروع قانون المالية لعام 2023 الذي قدمه وزير المالية إبراهيم جمال كسالي، وسط توقعات بأن ينزل المشروع لجلسات نقاش علنية من قبل نواب "قبة زيغود يوسف" (اسم الغرفة الثانية للبرلمان الجزائري) خلال الأسبوع المقبل.

الموازنة الأضخم

ووفق نص مشروع موازنة الجزائر لعام 2023 -الذي حصلت الجزيرة نت على نسخة منه- فقد رصدت الحكومة الجزائرية أضخم موازنة منذ استقلالها -قبل 6 عقود- بقيمة 13 مليارا و918 مليونا و40 ألف دينار جزائري، (نحو 98.5 مليار دولار)، بزيادة قدرها 24.5 مليار دولار عن موازنة 2022 (74 مليار دولار) و36.5 مليار دولار عن موازنة 2021 (62 مليار دولار).

ولم تكن القيمة المرصودة للموازنة ضخمة فحسب، بل حمل المشروع "جرعة تفاؤل" كبيرة عبر المؤشرات التي قدمها وتوقعها للأعوام الثلاثة المقبلة للاقتصاد الجزائري، على عكس العامين الماضيين، وسط خلوها من ضرائب جديدة على المواد الاستهلاكية أو الطاقية.

واعتمدت الحكومة الجزائرية في موازنتها على سعر مرجعي للنفط قُدر بـ60 دولارا للبرميل مرتفعا بـ15 دولارا للبرميل عن موازنة 2022 (45 دولارا)، مما يعني بقاء اعتماد موازنة الجزائر على الريع النفطي، الذي يستفيد هذا العام من الارتفاع القياسي في أسعار النفط والغاز بالأسواق العالمية نتيجة الصراع الدائر في أوكرانيا، حسب تحليلات لخبيرين جزائريين تحدثا للجزيرة نت.

ومن المؤشرات التي قدمتها موازنة حكومة أيمن بن عبد الرحمن لعام 2023 توقعها معدل نمو بـ4.1% في مقابل 3.3% إلى 3.8% في موازنة 2022، كما توقعت استمرار ارتفاع نسبة النمو عام 2023 إلى 4.1% و4.4% عام 2024.

إلا أن نسبة التضخم التي توقعتها الحكومة الجزائرية للعام المقبل كانت أكبر بمعدل 5.1%، في مقابل 4.9% بموازنة 2022.

وأظهرت الأرقام الواردة في مشروع الموازنة زيادة "تاريخية" في موازنة وزارة الدفاع التي تصدرت بقية القطاعات بـ22.7 مليار دولار، ثم وزارة المالية بـ22.4 مليار دولار، والداخلية بنحو 7.1 مليارات دولار، في حين حلّ قطاع التعليم والتربية رابعاً في المخصصات المالية لعام 2023 بحوالي 8.3 مليارات دولار.

كما كان بارزا ارتفاع موازنة وزارة العمل والتشغيل إلى نحو 7.2 مليارات دولار، وعزا نص المشروع ذلك إلى استحداث منحة البطالة التي أقرها الرئيس الجزائري في فبراير/شباط الماضي المقدرة بنحو 85 دولارا، التي يستفيد منها مليون و839 ألفا، حسب تصريح لوزير العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي يوسف شرفة أمام نواب البرلمان، يوم الجمعة الماضي.

واستفاد قطاع الصحة من موازنة إضافية وصلت إلى 4.2 مليارات دولار في مشروع موازنة عام 2023.

مقر الخزينة العمومية الجزائرية- الصحافة الجزائرية
ارتفاع موازنة وزارة العمل والتشغيل إلى نحو 7.2 مليارات دولار (الصحافة الجزائرية)

ما علاقة أسعار النفط؟

لم تنتظر حكومة الرئيس الجزائري طرح تساؤلات عن علاقة ارتفاع أسعار النفط والغاز في الأسواق العالمية خلال 2022، الذي يعد المورد المالي الرئيسي لخزينة الجزائر، وسط توقعات بأن تصل مداخيل البلاد من عائدات المحروقات مع نهاية العام الحالي إلى 50 مليار دولار، وفق أرقام قدمها توفيق حكار الرئيس المدير العام لشركة سوناطراك النفطية الحكومية، يونيو/حزيران الماضي.

ولفت نص المشروع إلى أن إعداد الموازنة جاء "في ظل وضع اقتصادي وطني يتسم بتحسن ملحوظ في الوضع الصحي وتعزيز عائدات المحروقات وتوطيد المجاميع الاقتصادية الكلية الرئيسية".

وأقر في المقابل بالتأثير السلبي للتوترات الجيوسياسية المستمرة على الأسعار العالمية للمواد الخام، وخص بالذكر أسعار المواد الغذائية، مبرزا (المشروع) بأن ذلك يتطلب تدخلا متزايد الأهمية من جانب الدولة.

وأشار أبو بكر سلام الخبير المالي -في تصريح للجزيرة نت- إلى أن الموارد الضرورية لتغطية الزيادة الكبيرة في النفقات العمومية بالجزائر تعود بالأساس إلى استفادة البلاد من الارتفاع الكبير في أسعار المحروقات، التي قال أيضا إنها "تُدر على الخزينة جزءا كبيرا من المداخيل الجبائية وتدعم احتياطي الصرف لتغطية حاجيات الاستيراد".

لكنه رأى -في المقابل- أن هذه الوضعية قد "تكون معرضة للهزات في أي وقت"، معتبرا أن ذلك دفع الحكومة الجزائرية إلى وضع خطة لرفع مستوى مشاركة الصادرات خارج المحروقات من سنة لأخرى لجعل الاقتصاد الجزائري ومنه مداخيل الجزائر متنوعة للخروج التدريجي من الطابع الريعي لمداخيل البلاد إلى الطابع المتنوع.

ويرى الخبير المالي أن الموازنة التي اقترحتها الحكومة الجزائرية لعام 2023 تأتي في سياق "مجهودات أخرى مرتبطة بتنويع وتقوية الصادرات ورفع المداخيل الجبائية بالدفع السريع والقوي للاستثمار"، وتوقع أن يعود ذلك بـ"الإيجاب" على الوضع المعيشي العام للجزائريين، مع توفير مناخ أفضل لنشاط المؤسسات وانتشارها، خاصة بعد تشديد الخناق على الفساد و الظواهر السيئة من احتكار ومضاربة وتحويل الامتيازات والتهرب الضريبي وغيرها.

A general view of Tiguentourine Gas Plant in In Amenas, 1600 km (994 miles) southeast of Algiers, October 2, 2013. Blast charred walls have been repainted and bullet holes plastered over at the In Amenas gas plant, as Algeria tries to tempt foreign oil workers back to the Sahara, after the January 16, 2013 attack by Islamist militants. Picture taken October 2, 2013. To match ALGERIA-AMENAS/ REUTERS/Louafi Larbi (ALGERIA - Tags: ENERGY BUSINESS)
الحكومة الجزائرية اعتمدت في موازنتها على سعر مرجعي للنفط قُدر بـ60 دولارا للبرميل (رويترز)

أسباب ارتفاع الموازنة

ويرى أبو بكر سلام أن من بين الأسباب التي تقف خلف رصد الجزائر أضخم موازنة في تاريخها نفقات الدعم الاجتماعي، الذي يمثل جزءا كبيرا من نفقات الدولة في انتظار الانتقال التدريجي من الدعم الشامل إلى الدعم الموجه، بالإضافة إلى نفقات مرافقة المؤسسات المصغرة والناشئة التي تراهن عليها الجزائر، لبناء شبكة قاعدية ونسيج مؤسساتي قوي لدعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والكبيرة خاصة في ميدان المناولة والاقتصاد الرقمي والمعلوماتية.

في المقابل، قدم الخبير الاقتصادي جلول سلامة قراءة تحليلية أخرى لموازنة الجزائر الضخمة المرتقبة لعام 2023، كانت خلاصتها أن الموازنة المقبلة جاءت لتحصين القدرة الشرائية للجزائريين.

وفي حديث مع الجزيرة نت، أوضح أن هذه الموازنة الضخمة مقارنة بحجم الاقتصاد الجزائري "شبه منتظمة"، معللا ذلك بنسب النمو منذ 2020 وهو العام الذي شهد ركودا اقتصاديا بسبب جائحة كورونا.

ويرى أن الموازنة العامة للجزائر "تعيش في عجز متراكم منذ 2017 تقريبا"، وقارن في المقابل بين مشروع الموازنة المقبل وما قال إنه تقرير لصندوق الدولي "الذي ادعى فيه أن الجزائر بحاجة إلى سعر برميل نفط بـ150 دولارا، لكي يستطيع بناء توازن في موازنته".

ويلفت سلامة إلى أن أسباب ارتفاع موازنة الجزائر لعام 2023 تعود إلى محددات اجتماعية بالدرجة الأولى، وقال إن هذه الموازنة كانت منتظرة وطبيعية وتدل على العودة إلى نمط الاستهلاك السابق ما قبل الجائحة، وكذلك العودة إلى وثيقة الدولة الجزائرية المتعلقة بالتحويلات الاجتماعية (الدعم الاجتماعي)، حيث إن الفرق في ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة عامة كذلك أصبح مكلفا جدا وارتفع كثيرا في ميزان الحكومة، واختيارها تثبيت الأسعار حتى لا ينهار الاقتصاد وخاصة حتى تحافظ على القدرة الشرائية الجزائريين وهي ضعيفة -في الأصل- مقارنه مع دول نامية.

كما يرى سلامة أن موازنة الجزائر لعام 2023 عبارة عن "قرار سياسي" يهدف لمواجهة ارتفاع أسعار المواد المستوردة في الأسواق العالمية، وكذا عدم فرض ضرائب جديدة تؤثر على أجور العاملين.

المصدر : الجزيرة