شعار قسم مدونات

هل قرأت كتاب "الرحيل عن الجنة"؟

غلاف كتاب الرحيل عن الجنة
غلاف كتاب الرحيل عن الجنة (مواقع التواصل الإجتماعي)

لطالما استحضرت روح الكاتب في أي كتاب أو رواية أقرأ، لكن كتاب الرحيل تقمصت فيه الكاتب، فصرت الصحفي الثائر في وجه التلوث السياسي والمطارد.

لعل صفة "التوثيق المرحلي" هي الأشد ملاءمة للإحاطة بهذا الكتاب، المتعدد المداخل والمخارج، بل المتعدد الخيوط والوقائع والحكايات والكواليس. إنه كتاب 3 أجيال أو 4 بالأحرى.

يستحيل الوقوف فعلا على ما يحفل به الكتاب من أحداث ووقائع وتواريخ شهدها قرن مضى ومطلع قرن راهن. فالكتاب أشبه بأرشيف أو سجل حي للعناوين التي صنعت الوضع اليمني المنصرم، أبرزها ثورة فبراير وتلاها الانقلاب الحوثي والحرب التي أضحت حروباً، عطفاً على التحوّلات التي شهدها اليمن ومآسي التهجير والنزوح، وقضية الهجرة التي ابتلعت عائلات وأفرادا.

لكن الكاتب يمر على هذه العناوين برشاقة فلا يقع في شرك التفاصيل التي باتت معلومة ومستهلكة، بل هو يحبكها داخل النسيج الروائي الذي يظل مفتوحا. أما الخيط الذي جمع بين الحكايات فظل معقودا، وعقدته هي السر الكامن في "مفتاح العودة والخلود".

لم يترك أحمد الشلفي شاردة تفوته أيا كان أثرها، فبدأ الكتاب بما يشبه الرواية على صغر حجمه مقارنة بالروايات الفائضة.. أسماء وأشخاص وأماكن وتواريخ وتفاصيل، آباء وأبناء وأحفاد، عادات وطقوس، وأحداث لا تنتهي

كتاب الرحيل يطرح التساؤلات عن نبوءة داخله، إذ إن أجواء الحرب و"الهويات القاتلة" وتداخل العلاقات الإقليمية، يعد نبوءة روائية للمشهد المتكرر الذي يقع حاليا في المنطقة بوجهه الدموي والعنيف.

ولم يترك أحمد الشلفي شاردة تفوته أيا كان أثرها، فبدأ الكتاب بما يشبه الرواية على صغر حجمه مقارنة بالروايات الفائضة، أسماء وأشخاص وأماكن وتواريخ وتفاصيل، آباء وأبناء وأحفاد، عادات وطقوس، وأحداث لا تنتهي وإن كانت هامشية أحيانا، ولعل هذا السرد الذي قصده المؤلف هو الذي منح هذا الكتاب فرادته. ولم يدع الكاتب شخصية إلا ساقها إلى "الشهادة"، أيا كان ذلك الشخص، صديقا أو عدوا حاكما أو معارضا وحتى مستقل الرأي.

لم يغفل الكاتب الحديث عن النساء اليمنيات اللاتي صنعن التاريخ اليمني، توكل كرمان مثالا، وعن السخرية الصفراء العبثية والسافرة التي انهالت عليها، وسامية الأغبري والاعتداء عليها من قبل بلطجية النظام، وأفراح الأكحلي وبشرى حسين اللتين كانتا سببا في إظهار قُبح النظام الذي تجاوز حينها العادات والتقاليد وحتى الدين في سجن امرأة يمنية كحالة سياسية، لكنه لم يغفل ما يتميز به اليمنيون من رقة القلوب اللحظية والتعاطف الذي يلازمنا أوقاتا ثم يعود لسيرته الأولى، وهذا ما حدث مع توكل عند فوزها بجائزة نوبل للسلام.

تحدث عن إخفاقات الثورة وتسلق الأحزاب وضياع الحامل السياسي والثوري بين هذه الأطماع التي غفل عنها الشباب. وكأنه يقول كما قال "مارتن لوثر كينغ" في أحد خطاباته "البقاء مستيقظا خلال الثورة".

لم يغفل الكاتب عن الحديث العاطفي الإنساني والقيمي أيضًا "بداية من قريته ووالده الذي اختلف معه ولم يخالفه، تعز الحالمة حملها في قلبه وكتبه في نسيج حرفه. أصدقاء الطفولة والنهضة الثقافية وأصدقاء الثورة والعمل. عن أسرته الخائفة من خبر سيئ يقول به شخص سوء.

قد يحتاج كتاب "الرحيل من الجنة" إلى مقاربة أشمل وأوسع تبعا لمادته الروائية الغنية، فالتفاصيل، حتى التفاصيل الصغيرة التي يعج بها، تستحق أن تقرأ وتستعاد نظرا إلى ما تمثله من أهمية سردا وتأويلا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.