شعار قسم مدونات

ازدواجية المعايير في الجريمة بالولايات المتحدة

علم الجريمة.. كيف تدرسه؟ وأين يمكن أن تعمل؟
عندما يكون القاتل من ذوي البشرة السوداء أو مسلما يتم التعاطي مع الحدث سريعا (مواقع التواصل الاجتماعي)

أعلنت الشرطة الأميركية في مدينة بوفالو في ولاية نيويورك أن مسلحا أميركيا أبيض أطلق النار تجاه مجموعة من الأميركيين من أصل أفريقي كانوا في أحد المحال التجارية. وأسفرت حادثة إطلاق النار عن مقتل 11 أميركيا من أصل أفريقي وإصابة آخرين بحالات حرجة.

يعتبر هذا الهجوم واحدا من سلسلة من حوادث العنصرية والكراهية التي يتعرض لها الأفراد بسبب الدين أو اللون أو العرق في الولايات المتحدة. حيث برز مصطلح "الجريمة بدافع الكراهية" وهو ما يعني في الولايات المتحدة عملا موجها ضد شخص مستهدف بسبب خصائص معينة في هويته. حيث يواجه الشخص المتهم بهذه الجريمة تلقائيا عقوبة أشد، لكن دافع ارتكابها يصعب إثباته أمام المحاكم.

لعل أبرز الحوادث التي اتسمت بالعنصرية المجزرة التي وقعت في الثالث من أغسطس/آب 2019، عندما هاجم يميني متطرف 23 شخصا أرداهم قتلى، كان من بينهم مكسيكيون وأشخاص ناطقون بالإسبانية في ولاية تكساس. وفي 17 يونيو/حزيران 2015، قتل رجل أبيض عنصري 9 مصلين أميركيين من أصل أفريقي في كنيسة في تشارلستون بولاية ساوث كارولينا.

وفي مايو/أيار 2020، تعرض جورج فلويد، أميركي أسود البشرة، للعنف على يد الشرطة الأميركية في مدينة مينيابوليس بولاية مينيسوتا، مما تسبب في وفاته وذلك بعد أن ظل الضابط ديريك شوفين ضاغطا على رقبته لمدة 9 دقائق. حيث شكلت كلمات فلويد الأخيرة "لا أستطيع التنفس" أيقونة الاحتجاجات والمظاهرات في الولايات المتحدة والعالم أجمع ضد العنصرية.

في تقرير نشرته شبكة مونت كارلو الدولية، ذكرت فيه أن عدد الجرائم التي استهدفت أميركيين من أصل أفريقي ارتفع بنسبة 40%، من 1972 جريمة إلى 2755 خلال العام 2021. كما ازداد عدد الهجمات المسجلة ضد أميركيين من أصل آسيوي بنسبة 70% مع 274 حادثة عام 2020 مقابل 161 عام 2019، بحسب أرقام مكتب التحقيقات الفدرالي "إف بي آي".

إن المتابع لردود الفعل لحالات الجريمة بدافع الكراهية التي تقع في الولايات المتحدة يدرك جليا سياسة ازدواجية المعايير في التعامل مع القتلى والقاتل. فعندما يكون القاتل من ذوي البشرة السوداء أو مسلما ويكون ضحاياه من الأميركيين من ذوي البشرة البيضاء فسرعان ما يتم التعاطي مع الحدث بشكل كبير وتضامن واسع من الداخل والخارج، وهو ما ينعكس سلبيا بعد ذلك على الأقلية المسلمة أو الأفارقة ممن سيتعرضون للاعتداءات والهجمات المتكررة كردة فعل لأي هجوم.

لكن، إذا ما كان المهاجم أميركيا من ذوي البشرة البيضاء وكان ضحاياه من الأقلية المسلمة أو الأفارقة فلن يكون للحدث أي أهمية أو قيمة في نظر المشاهد الأميركي ووسائل إعلامه، وحين يتم التعاطي مع القضية فإن أسوأ الظروف هي إعطاء تبرير للفعل من خلال جعل المهاجم شخصا مريضا أو مختلا عقليا.

إن ما تم ذكره لا يعني التعميم والجزم بسوداوية الحالة في الولايات المتحدة، وإنما توضيح لما وصلت إليه سياسة ازدواجية المعايير في التعامل مع الجرائم بدافع العنصرية والكراهية في الولايات المتحدة، حتى عندما يتعلق الأمر بهجوم أو حادث حدث خارج نطاق الأراضي الأميركية.

ولعل أبرز مثال في الآونة الأخيرة هو حادثة اغتيال الصحفية الفلسطينية الأميركية شيرين أبو عاقلة، مراسلة قناة الجزيرة الإخبارية في فلسطين، فرغم وضوح تفاصيل حادثة اغتيالها أمام شاشات التلفاز فإن ذلك لم يشفع لشيرين، المواطنة الأميركية، أمام عدد من وسائل الإعلام الأميركية مثل شبكتي فوكس نيوز وسي إن إن الإخباريتين اللتين نقلتا خبر مقتلها وكأنه وفاة طبيعية لا أكثر ولا أقل. في حين أن خبر اغتيالها سيصبح الأكثر رواجا في وسائل الإعلام الأميركية لو كان قاتلها أحد آخر غير الجيش الإسرائيلي، وسوف يتم التعاطي مع الخبر بكل احترافية ومهنية آنذاك.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.