شعار قسم مدونات

دعني فأنا أحترق وظيفيا

الإنهاك الوظيفي هو فقدان إحساس الموظف للثقة بالذات والروح المعنوية (غيتي إيميجز)

جرت العادة عندما نرى الحريق أن نهرع إليه لإخماده أو الصراخ وطلب النجدة بأسرع ما يمكن حتى لا يمتد الحريق ويزداد أثره وخسائره، فكل لحظة تمر تكون الخسائر أكثر وتعويضها أصعب.

ولكن ماذا لو كان هذا الحريق بداخلنا ويتعمق بداخل قوبنا وعقولنا نحن حيث يصعب علينا الصراخ وطلب النجدة أو الإطفاء السريع في بعض الأحيان، وهنا في هذا المقال نحتاج وقفة حاسمة حيث قرار عدم العودة للاحتراق مرة أخرى عسى أن تكون لحظة التغيير الآن.

عرف (الكلابي ورشيد) الاحتراق الوظيفي بأنه: "حالة من الإنهاك العاطفي والفكري والجسماني، والتي تكون على شكل تعبيرات يستخدمها الفرد تجاه عمله كاستجابات للضغوط والعلاقات التنظيمية المزمنة. وتتمثل هذه الحالة في إحساس الفرد بأن مصادره العاطفية مستنزفة، وبميله لتقويم ذاته سلبيا، وإحساسه بتدني كفاءته في العمل، وفقدان التزامه الشخصي في علاقات العمل، بالإضافة لفقدانه العنصر الإنساني في التعامل مع الآخرين داخل المنظمة وخارجها" (1421هـ: 119).

ولنبدأ معاً في قراءة قصة تعبر عما نريد شرحه لنرى بختامها هل تمكن من السيطرة على الحريق أم امتدت الخسائر لكل من حوله، وهنا أطلب منك ترك كل ما يشغلك وإحضار مشروبك المفضل والذهاب معي في رحلة قصيرة في حياة أحد الموظفين الأكفاء.

أنا مدير عام بأحد الشركات الكبرى، ولكني موظف أتلقى التعليمات والأوامر كما أقوم أيضا بإعطاء التعليمات والأوامر، لدي دكتوراه في الإدارة الإستراتيجية التي أرى أنها تنفصل تماما عن واقع ثقافتنا العربية وثقافة رواد الأعمال في الوطن العربي.

لم أصل لهذا المنصب بسهولة، فقد بدأت حياتي بعد أن تخرجت من الجامعة لأجد أبي يساعدني في الترشح لإحدى الوظائف بشركة بترولية شهيرة بإحدى دول الخليج العربي، وكان هذا يوم سعدي الكبير حيث عمت الفرحة جميع أرجاء حياتي وكان الحماس لا يوصف، فمنذ اللحظة الأولى لم أتوقف عن العمل والمبادرة والاقتراح بكل ما يفيد العمل.

وتمر سنة تلو الأخرى ويزداد التطلع للوصول لمنصب يكلل هذا الجهد والتعب، ولكن يا للأسف تأتي الرياح أحيانا بما لا تشتهي السفن، فقد تم ترقية زميل لي أقل خبرة وكفاءة وكان من الأيام الصادمة لي، فقد عدت للبيت وطموحاتي التي كادت تصل للسماء تقترب من أعمق بقعة في قاع الأرض حيث فقدت طعم أي شيء في هذا اليوم واتضحت حقائق كثيرة كنت أعيشها كوهم بداخلي.

عدت للعمل وأرى كل من حولي أغبياء وأتعجب كيف يرتضون بهذه الوظيفة التي ليس بها حافز أو تغيير أو تجديد، وأصبحت رغبتي بالعمل تقترب من الصفر وأصبحت من العاشقين لتعطيل العمل بقدر حماسي عند القدوم له، حتى وصلت لقمة السلبية وقررت الهروب والانسحاب، وقدمت استقالتي دون أن أكترث بذكر أي أسباب وتعللت في الاستقالة أنها لأسباب شخصية.

عدت للبيت ودخلت غرفتي المليئة بالأضواء لأغلقها جميعها، لأتحول من شخص يعشق الأضواء لشخص يهيم عشقا للظلام والانعزال، وكانت مرحلة لتصفية الحسابات والبحث عن الأخطاء ومراجعة النفس لأجد زميلا كان ترك العمل سابقا يرغب بلقائي على وجه السرعة.

أقابله فأجده يقول لي ما لهذا الوجه الذي لم أره من قبل لأقص عليه ما حدث فيقول لي هذا يوم سعدك وليس يوم حزنك، فقد أردت مقابلتك لعرض منصب مهم في شركتي الجديدة وأوصيت لهم بأنك الأكفأ لهذا المنصب، وتمر الأيام وأصل لمنصبي هذا لأحكي لكم عن مرارة الاحتراق الوظيفي وكيف أنقذني الله منه.

أبعاد الاحتراق الوظيفي

الإنهاك الوظيفي: وهو فقدان إحساس الموظف للثقة بالذات، والروح المعنوية، وفقدانه للاهتمام والعناية بالمستفيدين من الخدمة، واستنفاده لكل طاقاته، وإحساسه بأن مصادره العاطفية مستنزفة. وهذا الشعور بالإنهاك العاطفي قد يواكبه إحساس بالإحباط والشد النفسي، حينما يشعر الموظف أنه لم يعد قادرا على الاستمرار في العطاء أو تأدية مسؤولياته نحو المستفيدين بالمستوى نفسه الذي كان يقدمه من قبل.

ومن الأعراض الشائعة للإنهاك العاطفي شعور الموظف بالرهبة والفزع حين التفكير بالذهاب إلى العمل صباح كل يوم. وتحدث حالة الإنهاك العاطفي هذه للموظفين في العادة بسبب المتطلبات النفسية والعاطفية المفرطة من قبل الجمهور.

الشعور بتدني الإنجاز: ويتسم بميل الموظف إلى تقويم ذاته سلبيا، وشعوره من خلال ذلك بالفشل، وكذلك تدني إحساسه بالكفاءة في العمل والإنجاز الناجح لعمله أو تفاعله مع الآخرين. ويحدث ذلك عندما يشعر الموظف بفقدان الالتزام الشخصي في علاقات العمل. وكذلك بسبب الحالات التي تخفق فيها محاولات الموظف باستمرار في تقديم نتائج إيجابية، تؤدي إلى ظهور أعراض للتوتر والاكتئاب، وعندما يعتقد الموظف أنه لن تكون لجهوده نتيجة فعالة فإنه يتخلى عن تلك المحاولات.

فقدان العنصر الإنساني أو الشخصي في التعامل: ويتمثل في نزوع الموظفين نحو تجريد الصفة الشخصية عن المستفيدين الذين يتعاملون معهم، سواء كان هؤلاء المستفيدون من داخل المنظمة أو خارجها. ويعني ذلك فقدان العنصر الإنساني أو الشخصي في التعامل معاملة الأفراد كأشياء وليس كبشر. وفي هذه الحالة يتصف الموظف بالقسوة، والتشاؤم، وكثرة الانتقاد، وتوجيه اللوم لزملائه في العمل وللمستفيدين وللمنظمة، ويتصف كذلك بالبرود، وعدم المبالاة، والشعور السلبي نحو المستفيدين من الخدمة، وقلة العناية بهم. ويظهر ذلك في الانسحاب من خلال اللجوء إلى فترات طويلة للراحة أو المحادثات المطولة مع زملاء العمل أو على الهاتف وغيرها.

إن تجريد الصفة الشخصية عن المستفيدين قد يقلل من احتمال التأجج العاطفي المفرط الذي يشعر به الموظف والذي قد يؤثر على أداء العمل في حالات الطوارئ. وبالتالي فهو يمثل وسيلة للتعامل مع الاستنزاف العاطفي للموظف، ويستخدم كوسيلة دفاعية للتقليل من الشعور بالذنب والإحباط الناتجين عن العمل. وتعد المستويات المتوسطة من فقدان العنصر الإنساني أو الشخصي في التعامل مع المستفيدين مناسبة وضرورية للأداء الفعال في بعض الوظائف.

والآن القرار بيدك وليس بيد الظروف والعوامل المحيطة، فقرر الآن ولا تدع الحريق يتغلل لكل تفاصيل حياتك حيث يصعب وقتها العودة مرة أخرى.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.