شعار قسم مدونات

بروتوكولات حكماء صهيون.. حقيقة أم وهم

blogs يهود

إن مجرد ذكر اسم الكتاب بروتوكولات حكماء صهيون يشعرك بالفزع ويبدؤ عقلك في تصور تلك المؤامرة التي تحاك في السر ضدك وضد أمتك وان كل شيء قد أصبح مسيطرا عليه في العالم، لكن هل تساءلت ولو لمرة واحدة، هل فعلا يوجد شيء اسمه بروتوكولات حكماء صهيون؟

 

ظهرت أول نسخة مختصرة من بروتوكولات حكماء صهيون على يد الكاتب الروسي سيرغي نيلوس سنة 1905 في روسيا القيصرية، وهي وثائق تتحدث عن خطة لغزو العالم، زعم أن اليهود كتبوها وتتضمن 24 بروتوكولا كتعاليم وتوصيات في خطة مسبقة لسيطرتهم على العالم، كان الإعداد في ذلك الوقت قائما على قدم وساق للثورة ضد القيصر الروسي نيقولاي الثاني والتي رفع اليهود الكثيرون رايتها لذلك كانت الشرطة السرية الروسية (أكرانا) تلاحقهم مستخدمة وسائل التحريض الفكري والدعاية ضدهم، وقد تفتقت مخيلة بطرس رئيس قسم عملاء الخارج إلى ضرورة الربط بين المؤامرات اليهودية والثورة على عرش القيصر الأرثوذكسي.

 

وجد بطرس ضالته في كتاب كان قد صدر 1864 بعنوان حوار في الجحيم بين ميكيافيلي ومونتسكيو الذي ألفه الأديب الفرنسي موريس جولي في صورة حوار افتراضي بين هاتين الشخصيتين التي باعد بينهما الزمان والمنهج في التفكير حول أساليب عباقرة السياسة للسيطرة على مقاليد الحكم في العالم، كلف رئيس قسم عملاء الخارج للشرطة السرية الروسية عميلا روسيا مقيم في باريس بإعداد البروتوكولات المزورة وقد قام هذا العميل باقتباس أكثر من نصف كتاب المؤلف الفرنسي وبتحويره وأضاف إليه بلغة فرنسية ركيكة الفصول الباقية وتحول الحوار الفلسفي المفترض بقدرة قادر إلى محاضر لاجتماعات القادة اليهود أو حكماء صهيون السرية للسيطرة على مقدرات العالم، غير أن الكنيسة الروسية الرسمية لم تعترف بصحة الكتاب، وحين عرض على القيصر نيقولاي الثاني أعجبه في البداية ثم سرعان ما أمر بالتحقق من صحته وعندما علم بانتحال الكتاب رمى به جانبا قائلا "لا يجوز الدفاع عن الأهداف الطاهرة بوسائل قذرة"، لكن رمي القيصر للبروتوكولات لم يعني نهاية دورها إذ وجدت طريقا لها في أماكن أخرى وانتشرت شيئا فشيئا في أرجاء المعمورة ولم تبقى لغة في العالم لم تنقل إليها، وقد ظهرت عشرات الطبعات من هذه الخرافة الخالدة في العالم العربي، كانت أولها في مصر عام 1951، ولكن السؤال الذي يطرح بشدة، لماذا لقي هذا الكتاب رواجا كبيرا في العالم العربي؟

 

اليهود ما هم إلا بشر مثلنا استطاعوا أن يأخذوا بأسباب التفوق ولا يمكن لمجموعة قليلة منهم أن تكون لها كل تلك القدرة الخارقة على التحكم في العالم ومقدراته وإعلامه وسياسته واقتصاده

لقي الكتاب انتشارا واسعا في صفوف العرب بالذات لأنهم هم من دفع ثمن تضيق الخناق على اليهود وبث الكراهية ضدهم في أوروبا على تخوم القرنين 19 و20، والعرب هم الذين تضرروا من الانتشار الكبير في أوروبا للحركات الصهيونية الطامحة للعودة إلى أرض الميعاد والتي حصل ممثلوها عام 1917 من وزير الخارجية البريطاني البروتستانتي المعادي للسامية أرثر بيلفور على وعد بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين للتخلص منهم.

  

لم تمر فكرة كتاب بروتوكولات حكماء صهيون على كل العرب إذ تفطن لها بعض الباحثين ولعل من أشهرهم على الإطلاق الباحث المصري الدكتور عبد الوهاب الميسري صاحب الموسوعة الشهيرة اليهود واليهودية والصهيونية والذي كان يكرر منذ عام 1977 أن هذا الكتاب خرافة مضللة وأن الترويج له مضر بالعرب قبل غيرهم وأن الإصرار على نسبتها لليهود لا يخدم القضية العربية وقال إن قضية كراهية اليهود تخدم الصهيونية نفسها باعتبارها حركة عنصرية حاول الغرب بها تخليص أوروبا من اليهود عن طريق تهجيرهم إلى مكان بعيد. حاول الميسري في كتاباته حول الصهيونية كسر سجن أوهام وأساطير البروتوكولات وما تبعها من هزيمة نفسية لحقت بالمسلمين فبين عدم صحتها وضحدها ومصادرها بالأدلة وبين تناقضها مع الواقع وبالتالي تتهاوى صحة النظرية القائلة بأن اليهود نسل الشر في العالم المتحكم بكل شيء والتي تتناقض أصلا مع الرؤية الإسلامية، كما حذر الميسري من استخدام البروتوكولات كأداة لاتهام اليهود لأن الاتهام سيرتد إلى نحر العرب بأنهم عنصريون وعرقيون وأضاف أن معظم الكتاب العرب أسسوا كراهيتهم للدولة الصهيونية في ضوء البروتوكولات ومن الصعب تغيير خارطتهم الإدراكية وأسوء ما يصيب الإنسان أن يتحطم نموذجه الإدراكي.

 

لم يكن الميسري فقط من شكك في صحة هذا الكتاب فعملاق الأدب العربي عباس محمود العقاد في تقويضه للترجمة العربية للبروتوكولات التي قدمها محمد خليفة التونسي قد أشار إلى أن البروتوكولات قد تكون ملفقة، كما أكد مفتي الديار المصرية الشيخ علي جمعة في مقال نشرته صحيفة الأهرام المصرية عام 2007 أن كتاب بروتوكولات حكماء صهيون هو كتاب خرافي لا أساس له من الصحة، في حين أن مؤسسة الدراسات الفلسطينية لم تأخذه يوما على محمل الجد.

 

لم تكن فكرة بروتوكولات حكماء صهيون لتحدث هذا الزخم لو لم تجد لها أرضية خصبة عندنا وفي عقولنا التي أصبحت موطنا لكل الأفكار الغريبة والشاذة وغير المنطقية. إن اليهود ما هم إلا بشر مثلنا استطاعوا أن يأخذوا بأسباب التفوق ولا يمكن لمجموعة قليلة منهم أن تكون لها كل تلك القدرة الخارقة على التحكم في العالم ومقدراته وإعلامه وسياسته واقتصاده حتى أننا أضفينا عليهم صفات الألوهية فهل لك أن تتخيل ما يمكن أن يعنيه هذا من هزيمة نفسية وما يمكن أن يسببه من عجز عند الفرد المسلم الذي أصبح عاجزا عن التحرك والقيام بأي مبادرة، على اعتبار أن العالم قد أصبح في يد اليهود وانتهى.

 

ألم تسأل نفسك إذا كان اليهود قد تحكموا في كل العالم، فهل يمكن حتى للأوروبيين الكاثوليك والصينيين البوذيين والروس الأرثدوكس مثلا أن يقفوا عاجزين أمامهم ويصبحوا هم أيضا مجرد لعبة في أيديهم؟ إن الحقيقة الساطعة التي نخفيها عن أنفسنا ونغطي ضوءها الساطع بغربال، هي أن هزيمتنا في كل مناحي الحياة وعجزنا على أن نواجه التحديات التي تحيط بنا ليس عسكريا فقط بل وعلميا واقتصاديا، هي ما يجعلنا نؤمن بمثل هذه الخرافات والنظريات فنحن عاجزون على التفوق لذلك نرجع هزيمتنا إلى قوى خفية تسيطر علينا وهذا ما يمكن أن نطلق عليه نظرية المؤامرة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.