شعار قسم مدونات

كيف تؤثر العملات الرقمية على معدلات التضخم؟

blogs البتكوين

إن أهم بيئة خصبة ساعدت على التضخم هي العملات الرقمية والورق النقدي الغير مغطى بذهب أو سلة عملات حيث أنه لولا خلق النقد بزيادة المعروض النقدي مقابل عدم توافر ما يجب أن يمثله من سلع؛ ولو كان هناك سندات حقيقية لمال حقيقي لما حصل التضخم!

هل يوجد للعملات الرقمية غطاء بالذهب أو بأموال عينية أخرى؟

تقوم البنوك المركزية على إنتاج العملات التقليدية الورقية ضمن ضوابط وبموجب مخزون يقابلها من المعادن مثل الذهب أو سلة عملات مثل الدولار والجنية الاسترليني والين الياباني… إلخ، أما العملات الرقمية فلا تخضع لأي ضوابط من أي نوع ويقوم على إنتاجها أفراد يُطلق عليهم اسم "المُعدِّنون" ضمن عملية تعدين. إلا أن بعض الدول التي تخضع لحصارات اقتصادية أو عقوبات دولية قامت باستغلال هذه العملات الرقمية وتوظيفها لصالحها ضمن ضوابط، فقد أقدمت الحكومة الفنزويلية على إصدار عملة رقمية مركزية السجل تسمى بيترو وربطت سعر البيترو الرقمي بسعر برميل النفط المحلي وربطت عملتها الرقمية بالنفط والمعادن النفيسة.

إذا لم يكن للعملات الرقمية غطاء.. فما أثر ذلك على الاقتصاد؟

وهنا تكمن مشكلة جديدة من شأنها أن تضعف النظام المالي العالمي والذي يتم إدارته من قبل دول تتمتع بأقوى الاقتصاديات حيث أن هذه الدول تمتلك عملة كسبت قبول واسع ليتم تداولها في الأسواق المالية في جميع أنحاء العالم. والتي لها تأثير على حركة الاقتصاد العالمي ودخول العملات الرقمية من شأنه أن يضعف هذه الدول عن سيطرتها على الاقتصاد إذا ما سارعت الدول الأخرى على اتباع نفس نهج الحكومة الفنزويلية، حيث أن عملة هذه الدول المسيطرة والمستخدمة في التعاملات التجارية والتي تم ربطها بأسعار الذهب والمعادن النفيسة ستواجه عملات رقمية لا يشرف على طباعتها وإصدارها أي جهة رسمية تغطيها بسلة عملات.

هناك عملات رقمية مثل "البيتكوين" تعتمد على أفراد وليس على مؤسسات، وبالتالي فليس ثمة ضامناً للمال، فإذا ضاعت العملات الرقمية من خلال قرصنة، فليس بالإمكان استرجاعها

وحتى وإن كانت مغطاة مثل عملة البيترو إلا أن مراقبة حركة الأموال سيصبح من الصعب السيطرة عليها وهذه الميزة سوف تستقطب المنظمات والأشخاص أصحاب الأموال الغير مشروعة "غسيل الأموال" و"المتهربين من الضريبة" وغيرهم من أصحاب الأنشطة المشبوهة. وهذا من شأنه أن يفقد صندوق النقد الدولي الذي تم إيجاده لمساعدة الدول المتضررة والفقيرة على إعادة إعمارها والذي يعتمد بسياسته على منح القروض بفوائد تذهب للدول المقرضة "الدول الغنية" وسداد هذه القروض وفوائدها من قبل الدول المقترضة "الدول الفقيرة" على مدد طويلة، حيث أن سياسة صندوق النقد تجعل هذه الدول الفقيرة المديونة لسنين والتي يوجد لديها شح بتوفير وتأمين العملات الصعبة إلى إيجاد عملة رقمية خاصة بها بحيث تكون مستقلة ولها شعبية.

وبالعودة والحديث عن العملات الرقمية فهناك عملات رقمية مثل "البيتكوين" تعتمد على أفراد وليس على مؤسسات، وبالتالي فليس ثمة ضامناً للمال، فإذا ضاعت العملات الرقمية من خلال قرصنة أو من خلال انقطاع التيار الكهربائي أو انهيار العملية الحسابية المتعلقة بالتحويل والاستقبال، فليس بالإمكان استرجاعها، وليس بالإمكان تعويضها، تماماً كأن تضرم النار بعملة ورقية.

وكما أسلفنا سابقاً أن العملة الرقمية لا تخضع لضرائب، وهذا يجعلها تقع في محظور قانوني، كذلك هي لا تخضع لتأمين أو قانون يحمي المتبادلين، والمشكلة الأهم أنه يوجد إمكانية لخلق النقد أي أنه لا يوجد تقابض وهذه مشكلة؛ بحيث يصبح من الممكن إيجاد مال وهمي ليس له أي غطاء، وهنا تكمن مشكلة أن عدد محدود من يمتلك مهارات خلق المال، وهذا من شأنه أن يساعد على احتكار هذه الثورة وسيؤدي إلى احتكارها كونها غير منضبطة والذي سيؤدي بنا إلى باب واسع من الغش والخداع إذ لا يوجد مال حقيقي يمكن تقييمه والذي سوف يودي بنهاية المطاف إلى التلاعب بأسعار هذه العملات والتحكم بها (أي أنها سوف تقفز ارتفاعاً وتهوي انخفاضاً بوقت يسير).

 

وهنا يأتي جوهر حديث الرسول صلى الله عليه وسلم (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ؛ فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ، فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ، إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ)، إذ أن التقابض هو الوسيلة الفعالة الصلبة لمنع هذه العملية "خلق النقود". ولو نظراً إلى أنه لا يوجد قوانين وحتى لو وجدت قوانين فسيحدث لدينا عمليات شراء مزدوج لهذه العملات الرقمية عدة مرات (أي المال الوهمي سيخلق مال وهمي آخر)، وهذا من شأنه أن يجعل الاقتصاد فقاعة لا تلبث أن تنفجر محدثة دمار هائل.

وهنا نتجه إلى أن خلق المال من اللاشيء أمر محرم في الشريعة الإسلامية، لأن هذا اعتداء على الخالق فهو وحده جل وعلا من يوجد شيئاً من لا شيء (أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ)، الخلاصة هي أنه هل محاربة العملات الرقمية سينجح أم أنها ستسبب قلق متزايد وأنها حالة هوس يصيب العالم وهل ما إذا تدخلت الدول وفرضت قيود على التعامل بها أو تداولها سيغير هذا المسار!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.