شعار قسم مدونات

خطيئة الإخوان.. لماذا خسر الإخوان معركة السياسة؟

blogs الإخوان المسلمون

لا أغمض جماعة الإخوان حقهم في العمل الإسلامي؛ إذ لهم فضل كبير بحمد الله تعالى في المحافظة على الوعي الإسلامي، في مقابل التغريب الذي منيت به أمة الإسلام منذ عشرات السنين. لقد قامت جماعة الإخوان بمجهودات وفضائل كبيرة في وقت صعب وحرج، كانت فيه أغلب بلاد العالم الإسلامي تحت وطأة الاحتلال الغربي وكان الكثير من المسلمين منصرفا عن دينه، فجاءت دعوة الإخوان لتعيد لهؤلاء الفهم الشمولي لدين الإسلام، الذي يتناول كل ما يحيط بالمسلم من أنظمة وأنشطة بشرية يضع لها القواعد والأصول التي تنظمها وفق شرع الله عز وجل؛ بما يصلح حياة الإنسان ويحقق له الفلاح في الدنيا والآخرة.

 
حديثي في هذا المقال يتناول الأسباب التي آلت بالإخوان المسلمين إلى الانهزام في معترك السياسة، فليس من العيب أن نخطئ، ولكن العيب أن نصر على الخطأ إذا تبين الصواب، فالمؤمن لا يلذغ من جحر واحد مرتين.

 
إن الإخوان المسلمين في باب السياسة الشرعية مضطربون؛ لا حسم عندهم في موقفهم من الأنظمة الحاكمة، فلا هم راضون بها، ولامعترفون لها ببيعة شرعية في أعناقهم، وبالتالي لا يزاحمون الحكام المسلمين فيما يدور في إطار صلاحياتهم التي منحها لهم الشرع الحكيم، ولا هم في الجهة المقابلة بغاة يذودون عن أفكارهم بما أعدوه من قوة وعتاد، وقد  كان سبب هذا الاضطراب والتذبذب هو أنهم على مر تاريخهم يدورون في فلك واحد؛ هو مزاحمة الحكام في بعض صلاحيات عملهم، ومن ثم بطش النظام بهم والزج بهم في غياهب السجون، حتى إذا ضعفوا هادنوا إلى حين يشتد عودهم فيعودون إلى ما كانوا عليه من مزاحمة الحكام في بعض صلاحياتهم، وهذا حالهم على مر تاريخهم الطويل؛ يخرجون من أزمة إلى أخرى وهكذا دواليك. وكانت النتيجة أن أضاعوا زهرة شبابهم ما بين شهيد وسجين وهارب؛ فلا يتعلمون من تجاربهم ولا يصححون مسارهم ولا يتقنون السياسة الشرعية الحكيمة التي جاء بها شرع الإسلام.
 

هناك أخطاء في فهم واستيعاب مسائل صلاحيات الحاكم المسلم، ووجوب البيعة له وعدم نزع اليد من بيعته ولو كان ظالما أو جائرا، وقد أدت تلك الأخطاء إلى منازعة الحكام، بما يمثل افتئاتا على صلاحياتهم

إن الجو الصحي الذي تثمر فيه الدعوة ثمارها؛ هو العمل في ظل التوافق والثقة بين القائمين على العمل الإسلامي، وبين الأنظمة الحاكمة في بلاد المسلمين، وهو الأمر الذي أرشد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم في ظل منظومة من السياسة الشرعية الحكيمة التي تحفظ حق الحكام والرعية كاملا، فيتفرغ الداعية لأداء مهامه في جو سديد، بعيدا عن مناهج الغلّو والخروج دون ضوابط حكيمة قررها علماء الأمة الثقات، وبعيدا عن مناهج التفريط التي تلغي فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

إن من أبرز أخطاء الإخوان في باب السياسة الشرعية أنهم بنوا تصوراتهم فيها على أسس مغلوطة، وما زاد الطين بلة؛ أنهم يطرحونها على أنها مسلمات دينية لا تقبل النقاش مع أنها عند التحقيق ليست مسلمات، وإنما اجتهادات مرجوحة آلت بهم إلى الخلل في فهم السياسة الشرعية السديدة.

هناك أخطاء في فهم واستيعاب مسائل صلاحيات الحاكم المسلم ووجوب البيعة له وعدم نزع اليد من بيعته ولو كان ظالما أو جائرا، وقد أدت تلك الأخطاء إلى منازعة الحكام بما يمثل افتئاتا على صلاحياتهم فصارت العلاقة بينهم وبين الحكام عداوات مستحكمة لا تعود على الأمة بأي خير ولا تفيد إلا الأعداء الحقيقيين؛ كاليهود وأشباههم.

ومن تلك الأخطاء؛ السعي المعلن للوصول إلى سدة الحكم من أجل الحكم بشرع الإسلام، ولكن الأمور لا تصلح بهذه الطريقة؛ لأنها توحي بالتشرف إلى السلطة والطمع فيها، وهذا افتئات على مناصب الحكام وصلاحياتهم مهما كان حالهم؛ ما داموا مسلمين وقد منع النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة الذين طلبوا الإمارة لتوليها، وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه:"إنا والله لا نولي هذا العمل أحدا سأله أو أحدا حرص عليه"، وذلك لأن الطالب لها يأخذ هيئة الطامع والمتشرف، وكلاهما غير مأمون عليها؛ فكان الأجدر بالإخوان نصح الحكام بدلا من مزاحمتهم في صلاحياتهم بما يؤول بهم إلى عداوتهم والتعرض لبطشهم.

المتتبع لسياسات الإخوان العملية يرى أنها تصب في الوصول إلى سدة القرار السياسي لتطبيق أحكام الشرع، وهذا الأمر وإن كان في أصله ساميا، إلا أنه قد تحول عندهم إلى هدف يسبق كل الأهداف. والحقيقة أن العمل من أجل تحقيق هذا الهدف في ظل وجود أنظمة تنتسب إلى الإسلام، لا يمكن الإجماع على تكفيرها، لأنه من باب مصادمة تلك الأنظمة، وبالتالي إهدار الجهود الإسلامية فيما لا يعود على الأمة إلا بالشر وتعريضها للهرج والمرج والفوضى وسفك الدماء وشرور كثيرة، أهونها إضعاف الأمة وتوهينها لحساب أعدائها الأصليين، وهذا ما يحدث في هذه الحلقة المفرغة التي يدور فيها عمل الإخوان.

ولا ننسى أن الوضع العالمي اليوم، وهيمنة القوى العالمية عليه قد يصل إلى حد إكراه حكام المسلمين على بعض ما لا يرضون، ولذلك فإن اعتلاء الإخوان المسلمون الحكم سيدفعهم للدخول تحت ذلك الإكراه، ولن يتغير الحال كثيرا، ولن يتمكنوا من الإفلات من هيمنة النظام العالمي على السياسات الداخلية والخارجية في ظل ظروف الضعف الشديد الذي تعيشه الأمة في كافة المجالات، وقد ظهر ذلك واضحا في كثير من بلاد المسلمين عندما وصلوا إلى الحكم أو إلى مواقع التأثير فيه.

وكذلك فإن اعتماد جماعة الإخوان على آليات العمل الديمقراطي المعاصر من أجل الوصول إلى سدة الحكم، -وهوأمربعيد عن الواقع- فلن تقف القوى الدولية المعادية للإسلام مكتوفة الأيدي حيال هذا الأمر، بل ستغري الحكام بالفتك بالإسلاميين ويصبح العمل السياسي الإسلامي وقودا لشغل الأمة باللغط السياسي والتغرير بعامة المسلمين، وصرف لهم عن أعمال الطاعة والعافية إلى أعمال الفتنة والبلاء، ولا نتيجة من هذا الهرج سوي العبث والفوضى وإهدار أوقات الأمة وطاقاتها.

لقد كان من جراء ترك ثغر الدعوة؛ وهو الثغر الأهم في العمل الإسلامي والدخول إلى معترك السياسة المظلم أن سحب الإخوان إلى خانة الصراع مع الحكام على مناصب الدنيا 
لقد كان من جراء ترك ثغر الدعوة؛ وهو الثغر الأهم في العمل الإسلامي والدخول إلى معترك السياسة المظلم أن سحب الإخوان إلى خانة الصراع مع الحكام على مناصب الدنيا 
 

لقد وقع الإخوان فيما يريده منهم الأعداء، عندما تركوا ثغور الدعوة من أجل مفاهيم مغلوطة ضخمت لهم جانب السياسة والحكم على جانب الدعوة والإصلاح، ومن بعدها تحول عمل الإخوان الحقيقي إلى مجرد شجب ومعارضة سياسية محضة؛ استغلها الأعداء للدفع بالأنظمة إلى تبني قرارات أكثر ضررا للإسلام والمسلمين بحجة مواجهة الإخوان.

لقد تعرضت الجماعة عند دخولها في معترك العمل الحركي إلى أخطاء شرعية أدت إلى التحول التدريجي من العمل الدعوي العام للإسلام؛ إلى العمل الحزبي الذي يقدم أيديولوجيا الجماعة وفكرها على أنه الإسلام مع أن هناك بون شاسع بينهما، لا يتفطن إليه إلا العلماء المتخصصون. لقد ظنوا أن تحقيق أي نصر للجماعة هو نصر للإسلام نفسه؛ فلم يفرقوا بين عموم الأمة وبين خصوصية الإخوان، وكان من آثار هذا الخلل أنهم خلطوا بين المصالح الشرعية للدين والمصالح السياسية للجماعة، وبالتالي اختلطت الأمور؛ وصار التحزب وبالا على الدين بعد أن كان من المفترض أن يصب لصالحه. 

بناء على ما سبق فإن الحل الأمثل للإخوان؛ هو أن يراجعوا مواقفهم وأن يعودوا إلى ثغر الدعوة إلى الله وليس معنى ذلك ترك السياسة بالكلية، بل جعل لهم الشرع فسحة واسعة يمكنهم من خلالها النصح للحكام؛ فأعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر، ولعلنا نلحظ أن أضعف الإيمان؛ كلمة حق بعيدة كل البعد عن الافتئات على صلاحيات أولياء الأمور. إنني أدعوهم إللا بدء صفحة جديدة، فلو كان الإمام البنا حيا لفعلها مصالحة قائمة على الدعوة إلى أصول الإسلام وأخلاقه وأدعوهم إلى التصالح مع الشعوب والأنظمة الحاكمة؛ من أجل مواجهة الأخطار العالمية التي تحيق بالمسلمين من كل جانب.

لقد كان من جراء ترك ثغر الدعوة -وهو الثغر الأهم في العمل الإسلامي- والدخول إلى معترك السياسة المظلم؛ أن سحب الإخوان إلى خانة الصراع مع الحكام على مناصب الدنيا، ونقل الصراع الخارجي مع الأعداء الحقيقين إلى صراع داخلي بين المسلمين أنفسهم، أدى إلى ابتعاد الشعوب عن الإسلام. أضف إلى ذلك؛ أن هذا الصراع جعل الأنظمة الحاكمة ترتمي في أحضان الأعداء، مما أدى إلى مزيد من تدخل القوى العالمية في شؤون البلاد والعباد، وإلى المزيد من الاستحذاء لهم والخضوع لإملاءاتهم، وهو عين ما تريده تلك القوى المعادية للإسلام. فهل آن لنا أن نفيق قبل أن تغرق المركب بمن فيها، ويكون أول من أغرقها هم من يحسبون أنفسهم العاملون من أجل نجاتها؟ وهل آن لنا إعلان التراجع عن الشغب السياسي الذي ضرره أكبر من نفعه، والعودة إلى المنهاج الأول منهاج الدعوة، "ولأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم."

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.