بعد انتشار المهرجانات والراب.. هل انتهى عصر الأغنية الشعبية في مصر؟

أبرز نجوم الأغنية الشعبية المصرية حكيم (يمين) وأحمد عدوية (وسط) وحسن الأسمر خلال مهرجان قطر التاسع للأغنية في الدوحة عام 2008 (الفرنسية)

بكلمات بسيطة دارجة تعبّر عن أغلبية الشعب المصري، نجحت الأغنية الشعبية في نيْل مكانة كبيرة استطاعت من خلالها منافسة الغناء الكلاسيكي، وقدم معظم نجوم الغناء في مسيرتهم اللونَ الشعبي للاستفادة من جماهيريته، مثل أم كلثوم ومحمد فوزي وعبد الحليم حافظ.

غير أن التأثير القوي للأغنية الشعبية لم يستمر مع تطوّر الزمن؛ فمع انتشار أغاني الراب والمهرجانات في السنوات الأخيرة، تراجع حضور نجوم الأغنية الشعبية على الساحة الفنية. فهل انتهى عصر الأغنية الشعبية المصرية؟ أو أنها تمر بحالة ركود وحسب؟

من سيد درويش إلى جيل الخمسينيات

ارتبطت الأغنية الشعبية -تحديدًا- برصد التغيّرات التي مر بها المجتمع، وكانت بدايتها -بشكلها المتعارف عليه- مع "فنان الشعب" سيد درويش، من خلال "الطقاطيق" (أغنيات قصيرة وخفيفة) التي قدّمها وعبّر من خلالها عن الشعب المصري في عشرينيات القرن الماضي.

وكان سيد درويش أول من قام بتحويل هذا النوع من الأغاني إلى اللغة العربية، بعدما كانت تقتبس من الموسيقى التركية، مما جعله "صاحب مدرسة" في الألحان والكلمات المصرية التي جاءت من الشارع المصري، فوصلت إلى الجمهور بشكل سريع.

بعده، شهد الغناء الشعبي تطوّرًا كبيرًا، وأصبح مصريا خالصا؛ فظهرت أسماء كثيرة تؤدي هذا النوع في المقاهي وأزقة الحارات القديمة، مثل محمد عبد المطلب الذي يُعَد من أوائل واضعي اللبنات الأساسية للغناء الشعبي في مصر، وساعد ظهور الراديو في انتشار أغنياته في ثلاثينيات القرن العشرين؛ فحقّق نجاحا كبيرا في عصره.

نجوم الموّال

في خمسينيات القرن الماضي، كانت فترة انتشار الأغنية الشعبية على نطاق واسع وبزوغ نجومها، مثل رائد الموال محمد طه، الذي قدم آلاف المواويل في مشواره الذي بدأه مغنيا في الأفراح، قبل أن يصبح من أهم نجوم الغناء الشعبي، ليغني أمام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في إحدى المناسبات، إلى جانب غنائه في أفلام مصرية عدة، كما أسس فرقته الخاصة التي ظهر فيها ليكوّن إرثا موسيقيا خاصا به.

وفي اتجاه موازٍ، ظهر لاحقا عددٌ من المطربين الشعبيين، مثل محمد العزبي، ومحمد رشدي الذي استطاع أن يصل إلى القلوب والآذان، وساعده في ذلك الشاعر الراحل عبد الرحمن الأبنودي والموسيقار بليغ حمدي.

عدوية ومرحلة "السحّ الدحّ امبو"

بعد نكسة 1967، ثم حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، ومرحلة الانفتاح، ومع التغير الاجتماعي الكبير الذي شهدته مصر، ظهر جيل مختلف للأغنية الشعبية، مثل أحمد عدوية الذي أصبح أبرز رموزها في السبعينيات والثمانينيات.

ورغم تعرّضه للانتقاد بسبب كلمات أغنياته، مثل "السح الدح امبو" و"سلامتها أم حسن" و"زحمة يا دنيا زحمة" و"بنت السلطان"؛ استطاع عدوية أن يكتسح سوق الغناء الشعبي، وباعت أغنياته مئات آلاف النسخ.

ومع أن النقاد رأوا -وقتها- أن عدوية يُعَد "ردة فنية"، فإن المفارقات أن الأديب نجيب محفوظ قال في لقاء له إن "عدوية مطرب صوته حلو"، وإنه يستمع إليه ويستمتع بصوته وأغانيه.

الأسمر من عباءة عدوية

ومن "مدرسة" عدوية الغنائية، تخرّج حسن الأسمر الذي لَُقِّب بـ"مايكل جاكسون مصر"، ومزجت أغنياته بين الحزن والصوت القوي. واستُغل الأسمر -مثل عدوية- في أفلام سينمائية عدة، ولكن نجوميته ظلت حبيسة الطبقة الشعبية، إلى أن تعاون مع المنتج نصر محروس في "ألبوم اتخدعنا" الذي حرَّره قليلا من فلك الأغنية الشعبية التقليدية، لينطلق إلي سوق "البوب"، مدعوما بأهم صانعيها في تلك الفترة: بهاء الدين محمد ومصطفى كامل وحسن دنيا وأشرف عبده، في أغاني "اتخدعنا" و"يا خوفي" و"طعم الأيام"، فحصد جمهورا جديدا.

ومن المدرسة ذاتها، جاء حكيم في أواخر الثمانينيات، ولكنه صنع لنفسه توجها جديدا، إذ خلط بين "البوب" التقليدي والأغنية الشعبية، وساعده في ذلك امتلاكه صوتا قويا ومساحات عريضة وقدرة على الطرب والارتجال. وبذكائه، استطاع حكيم أن يتصدّر الأغنية الشعبية.

حقبة مختلفة

مع بداية التسعينيات، ظهر نوع مختلف من الغناء الشعبي، قاده عبد الباسط حمودة الذي حشد جمهورا عريضا من أجيال مختلفة، وحتى اليوم لا تزال حفلاته "كاملة العدد"، خاصة أنه استطاع أن يواكب العصر ويقدم أغنيات مع الشباب.

وفي بداية الألفية الثالثة، ظهر شعبان عبد الرحيم الذي يختلف كثيرا عن عبد الباسط حمودة، سواء في الصوت المتواضع، أو في ملابسه الغريبة ذات الألوان الفاقعة، كالأحمر والأصفر. ورغم ظهوره في أعمال مسرحية عدة، فإنه ظل محسوبا على مطربي الغناء الشعبي.

في بداية الألفية الثالثة ظهر شعبان عبد الرحيم بصوت متواضع وملابس غريبة ذات ألوان فاقعة (الأوروبية)

تبعه سعد الصغير الذي كانت له طريقة خاصة في الغناء والرقص، فاشتهر بتلك الحركات على المسرح، وفي الأعمال السينمائية التي شارك فيها. وظهر معه عدد آخر من المطربين الشعبيين، مثل عماد بعرور وأوكا وأورتيجا وعمرو الجزار وغيرهم. لكن هؤلاء شكّلوا "ظاهرة" سرعان ما اختفت بعد بضعة أعمال فنية.

وتأتي نهاية هذه المرحلة مع محمود الليثي الذي تميز بصوت جيد، واستطاع أن يُثبت نفسه في مجال الغناء الشعبي مع زميلته بوسي، وتعاقدا مع شركة "روتانا" للإنتاج الفني، في محاولة لتقديم أغنيات شعبية حديثة.

وفي السنوات الأخيرة، ومع تغيّر الذوق العام وظهور أغاني المهرجانات وانتشار أغاني الراب؛ لم يعد نجوم الأغنية الشعبية بالقوة ذاتها التي كانوا عليها سابقا؛ إذ أصبحت أغاني المهرجانات والراب الأعلى مشاهدة عبر منصّات مثل يوتيوب وسبوتيفاي وأنغامي.

المصدر : الجزيرة