إلى موطنها أم للمستعمر؟ جدل مستمر حول إعادة الآثار القديمة لبلادها الأصلية

حجر رشيد في المتحف البريطاني (مواقع التواصل)

لا تزال الأعمال الفنية والآثار المنهوبة من بلادها الأصلية محل جدل كبير، حيث يعتقد البعض أن نهب التراث أمر خاطئ، ويجب أن تعود المسروقات إلى بلادها، بينما يرى البعض أن وجودها في بلاد أخرى هو أحد أنواع الترويج للحضارة، بالإضافة إلى أن البعض يعتقد أن الأعمال الفنية والآثار المنهوبة تلقى اهتماما في البلاد المضيفة لها، أكثر من ملاكها الشرعيين.

وتستند مطالبات الإعادة إلى الوطن على القانون، الذي شرع في الخمسينيات، عندما ظهرت جرائم الاستعمار، وجرائم الحرب ضد الإنسانية، وزادت رغبة البلدان في استعادة تراثها لتصحيح الأخطاء القديمة، ما يمثل نوعا من أنواع العدالة التي تتطلب الاعتراف بالذنب، ويجعل عمليات الإعادة إلى الوطن صعبة، لأنه نادرا ما تعترف الدول والمؤسسات بأنها كانت على خطأ.

وهناك العديد من النقاط التي تسوقها الدول المنهوبة كحجة لاستعادة آثارها، أهمها:

  • أن قوانين الملكية الأساسية، تشرع عودة الممتلكات المسروقة أو المنهوبة إلى مالكها الشرعي.
  • ينتمي التراث الثقافي إلى الثقافات التي أنتجته، ويعتبر التراث جزءا من الهوية الثقافية والسياسية المعاصرة.
  • عدم إعادة التراث المسروق في ظل أنظمة استعمارية، هو استمرار للأيديولوجيات الاستعمارية، التي تعتبر الشعوب المستعمرة أقل شأنا.
  • تقع المتاحف التي تملك أهم المجموعات العالمية والتي يطلق عليها المتاحف الموسوعية أو العالمية في شمال العالم: فرنسا، انجلترا، ألمانيا، الولايات المتحدة، وهي أماكن تكاليف زيارتها مرتفعة، ولا يمكن أن يزورها كل من يرغب في مشاهدة الفن أو التراث المنهوب، وهو بالتحديد ما يعتبر استمرارا للسياسات الاستعمارية.
  • حتى إذا حصلت الدول الاستعمارية على الأعمال الفنية والتراثية بشكل قانوني في وقت قديم، فقد تغيرت مواقف المجتمع الثقافي الدولي حول الممتلكات الثقافية والتراثية، ويجب أن يعكس الواقع المواقف المعاصرة.
نقش رخامي من منحوتات البارثينون من أثينا (438-432 قبل الميلاد) (المصدر: الموقع الرسمي للمتحف البريطاني)

ولدى المجموعات والأشخاص الذين يرفضون عودة التراث إلى موطنه الأصلي، حجج مضادة للحجج السابقة، تحاول عن طريقها الاحتفاظ بالمجموعات القيمة التي تخشى فقدانها وهي:

  • إذا أعادت جميع المتاحف العالمية القطع التي لا تخصها إلى ملاكها الشرعيين، ستصبح المتاحف شبه فارغة تقريبا.
  • لا تملك البلاد الأصلية مرافق كافية أو متخصصين لحفظ التراث، بسبب الفقر أو النزاع المسلح، لذا ستكون الآثار والقطع الفنية أكثر أمانا في بلادها الحالية.
  • لم تعد الممالك القديمة أو التاريخية، التي جاءت منها الكثير من القطع موجودة بشكلها القديم، بل تغيرت الحدود الوطنية المعاصرة مثل حدود الإمبراطورية الرومانية، لذلك ليس من الواضح إلى أي بلد تحديدا يجب إعادة التراث المنهوب.
  • تم الحصول على معظم الأشياء المنهوبة في وقت اقتنائها بشكل قانوني، لذلك لا يوجد سبب لعودتها إلى موطنها الأصلي.

إلى جانب الجدل الذي يثيره استمرار بقاء القطع الفنية والتراثية في غير بلادها الأصلية، فإنه يثير أيضا مشاعر قوية تتعلق بالوطنية والهوية والأخلاق، لكن تبقى القضية في النهاية قانونية، والأطر والقوانين التي طورت في القرن العشرين، تعمل على إعادة التراث إلى موطنه الأصلي.

كانت اتفاقية لاهاي لعام 1907 هي الأولى التي اعترفت بأضرار الحروب والاستعمار على التراث الثقافي، وحظرت سرقة ونهب الآثار والقطع الفنية، أثناء النزاعات المسلحة والحروب.

ممتلكات الوطن والهوية

بالرغم من القوانين الحديثة الملزمة بإعادة التراث الثقافي والفني إلى أصحابه الأصليين، إلا أن الدول تماطل في الأمر، وتتعامل مع كل قطعة على حدة، مثل حجر رشيد الذي استولت عليه القوات البريطانية من الجيش الفرنسي في مصر عام 1801، ويعتبر اليوم من أكثر المعروضات شعبية وأهمية في المتحف البريطاني بلندن، بالإضافة إلى منحوتات البارثينون التي تعود أصولها إلى معبد البارثينون القديم بأثينا، والتي تعرض أيضا في المتحف البريطاني بلندن.

يؤكد بعض خبراء تاريخ الفن أن الحجج المطروحة بشأن الموقع غير المعروف لأصول التراث المنهوب، حجج واهية تشير إلى أن صالات العرض والمتاحف وجامعي التحف من القطاع الخاص، لم يحاولوا بذل أي مجهود يذكر لمعرفة تاريخ القطع الأثرية التي بحوزتهم، أو يعرفون ولا يريدون الاعتراف بالظرف غير القانوني لحصولهم على القطع الأثرية، خاصة فيما يتعلق بتراث قارة أفريقيا والافتراض المستمر أن القارة ليس لها تاريخ حقيقي يمكن تتبعه.

مع كل التعقيدات المتعلقة بالأمر، فإن العودة لا يمكن أن تكون ذات فائدة عامة في ظل غياب الاستثمار الحقيقي في المتاحف، وفي التوعية المستدامة، والبرامج التثقيفية، بالإضافة إلى عوامل الأمان ومرافق الحفظ الخاصة بها، لأن الأمر في النهاية ليس فقط إلى أين تنتمي القطع الأثرية التاريخية، ولكنها يجب أن تكون مفيدة ثقافيا واجتماعيا، ويجب أن يسهل الوصول إليها، لأنها لا تمثل إنجازات البشرية الثقافية فحسب، بل تمثل حركة السفر المتبادلة التي شكلت النظام العالمي الذي نعيش فيه جميعا الآن.

يذكر أن آخر المجموعات التاريخية التي عادت إلى موطنها الأصلي، كانت رفات وجماجم 24  فردا من قادة المقاومة الشعبية، الذين قتلوا في السنوات الأولى للاستعمار الفرنسي للجزائر، وكانت الرفات محفوظة في متحف الإنسان في باريس، وعادت إلى موطنها الأصلي عشية الذكرى الـ 58 لاستقلال الجزائر.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية