هكذا رسخت السينما المصرية العنصرية ضد البشرة السمراء

موضوع "المتهم الحقيقي بواقعة التنمر.. هكذا رسخت السينما المصرية العنصرية ضد السود"
تقارير حقوقية تتحدث عن أرقام صادمة حول العنصرية ضد أصحاب البشرة السمراء في الأعمال الدرامية -وخاصة السينما- بمصر (مواقع التواصل)

عبد الرحمن أحمد-القاهرة

ضجة كبيرة واستياء واسع صاحبا حادثة التنمر التي تعرض لها طالب سوداني في العاصمة المصرية القاهرة قبل أيام، لتتطور القضية بالقبض على الجناة ثم التصالح والإفراج عنهم. وكما بدأت القضية سريعا انتهت سريعا، دون عقاب أو بحث وراء أسباب الواقعة التي تتكرر كثيرا لكن دون أضواء غالبا.

بدأت الواقعة بمقطع مصور نُشر على مواقع التواصل الاجتماعي يظهر فيه شابان مصريان يعتديان على طالب سوداني ويسخران منه ويريدان نزع حقيبته عنوة، فيما يغرق ثالثهما في الضحك أثناء تصوير الاعتداء، ليثير المقطع عاصفة من الغضب وسط مطالبات واسعة بمعاقبة هؤلاء الشباب.


سينما العنصرية
ضحكات الشاب كانت تشير إلى خلل واضح في تقدير فداحة ما يقومون به ضد الفتى الصغير، إلى جانب تبريرهم الأمر لاحقا بأنه "دعابة"، وهو ما اعتبره البعض تأثرا واضحا بالأعمال السينمائية التي قدمت العنصرية ضد ذوي البشرة السوداء تحت ستار الكوميديا.

وأظهر تقرير أصدره المرصد المصري لمناهضة التمييز العنصري في يناير/كانون الثاني 2018، بعنوان "مشروع تعزيز التعددية ونبذ التمييز العنصري بالإعلام المصري"، أرقاما صادمة عن تفشي العنصرية ضد أصحاب البشرة السمراء في الإعلام والأعمال الدرامية وخاصة السينما.

ورصد التقرير 60 فيلما من بين 120 أنتجت وعرضت في الفترة بين (2007-2017)، تسخر من ذوي البشرة السمراء سواء بسبب لونهم أو لهجتهم، أو تحصرهم في أدوار نمطية كدور الخادم أو البواب، وأغلبها تصنف أفلاما كوميدية.

وأشار التقرير إلى احتواء 18 عملا سينمائيا خلال هذه الفترة على "تمييز عنصري صريح"، بالسخرية من اللون أو العرق، بينما احتوت أعمال أخرى على حض على التمييز أو الكراهية أو العنف.


تاريخ مشين
ومنذ نشأتها حفلت أفلام السينما المصرية بالعنصرية والسخرية من لون البشرة، وحصرت أصحاب البشرة السوداء غالبا في الوظائف المتدنية اجتماعيا مثل أدوار الخادم أو السائق أو البواب الذي يتكلم بلهجة مضحكة، على غرار شخصية "عثمان عبد الباسط" التي قدمها الممثل علي الكسار في معظم أعماله.

وكان أشهر من أدى دور الخادم أو البواب في السينما المصرية قديما الفنان الكوميدي النوبي محمد كامل، الشهير بـ"عم كبريت"، حيث ظهر في عشرات الأعمال السينمائية وانحصرت أدواره في هذه المهن.

واحد من المشاهد الشهيرة التي تسخر من هؤلاء في الأفلام القديمة جاء في فيلم "الآنسة ماما" (1950) لصباح ومحمد فوزي، حيث يغازل ثلاثة من الخدم من أصحاب البشرة السوداء واللهجة المضحكة غير المفهومة بطلة العمل، ويغنون لها عبارات مثل: "أنا خدام تراب رجليكي".

وعندما يدخل صاحب المنزل إلى المطبخ يختبئون أسفل المنضدة، فلما يراهم يقول متهكما "كده سيبتي الخضار لغاية ما اتحرق وبقى فحم"، فترد عليه "ده خضار؟ ده باذنجان أسود".

وحين أراد صناع السينما تقديم عمل يتناول شخصية البواب "البيه البواب" (1987)، أُسندت بطولته إلى النجم الأسمر "أحمد زكي".


سينما الشباب أكثر عنصرية
العنصرية الفجة عادت للظهور بقوة مع أفلام جيل الشباب التي اتسمت بإقحام مواقف وشخصيات بهدف السخرية من أصحاب هذه البشرة، نرصد بعضا من مشاهدها في الفقرات التالية:

صعيدي في الجامعة الأميركية (1998)
يسخر بطل الفيلم محمد هنيدي من لون بشرة فتاة الليل "سمارة"، وعندما تطفئ الأنوار يقول لها "بتطفي النور ليه ما أنت مضلمة خلقة"، وحين يُعلَن عن وفاة إحدى السيدات يقول لها "الولية ماتت من وشك الأسود".

وتتوالى السخرية عند ذهاب هنيدي لمنزل سمارة حيث يغني لها أغنية شيكولاتة المليئة بالعبارات العنصرية، لتتحول "إفيهات" هذا الفيلم إلى مرجع للتنمر والتحرش بأصحاب البشرة الداكنة.

أفريكانو (2001)
يسافر بطلا الفيلم أحمد السقا وأحمد عيد إلى جنوب أفريقيا، وأثناء وجودهما في أحد النوادي الليلية يشاهدان مجموعة من أصحاب البشرة السوداء، فيقول عيد ساخرا: "هي الكهرباء قاطعة جوه ولا إيه؟".

وفي مشهد آخر يقوم المساعد الجنوب أفريقي (طلعت زين) بإيقاظ أحمد عيد، ليقوم مفزوعا قائلا: "إحنا هانصطبح بوشك ده كل يوم ولا وإيه؟".


قلب جريء (2002)
خلال أحداث الفيلم يذهب أحمد عيد للحصول على دور في فيلم سينمائي، فيختاره المخرج ليكون ضمن "العبيد" ويطلب منهم دهانه باللون الأسود، فيرد عيد قائلا "عبيد إيه يا أستاذ أنا طموحي أكبر من كده". فيأتي رد المخرج الأسمر: "ما لهم العبيد؟ مش عاجبك تدهن أسود؟ طب ما أنا أسود أهو"، فيرد عليه عيد "ربنا يزيدك يا أستاذ".

ويتكرر المشهد تقريبا في فيلم "سمير وشهير وبهير" (2010)، حين يذهب سمير (أحمد فهمي) إلى موقع تصوير فيلم عنتر بن شداد، وبعد حديث مع أحد المسؤولين عن الفيلم يطلب منه تغيير ملابسه ويشير لأحد مساعديه قائلا "خذ الأستاذ لبسه وادهنه أسود وارميه مع العبيد"، وحين يراه أخوه يسأله "سمير أنت اشتغلت سفرجي؟".

اللي بالي بالك (2003)
يضم الفيلم واحدا من أسوأ مشاهد العنصرية ضد أصحاب البشرة السمراء، حيث يحتضن "اللمبي" (محمد سعد) طفلة صغيرة سوداء يظن أنها ابنته، قائلا لها "حبيبة بابا اللي مضلمة الدنيا"، وحين تخبره زوجته أنها ليست ابنتهما، يرد ساخرا "ما أنا قولت كده، أنت بيضة وأنا بيضة إزاي نخلف صباع العجوة ده".

عيال حبيبة (2005)
مشاهد صادمة كثيرة حواها هذا الفيلم، فحين يثني "عيد" (حمادة هلال) على رائحة "عم نصر" (سليمان عيد) الذي دهنه المخرج باللون الأسود رغم أنه داكن البشرة، يرد الأخير "طبعا هو يبقى سواد وريحة وحشة كمان".

وفي مشهد آخر يسخر "ممس" (رامز جلال) وبيجامة (محمد لطفي) من صور عائلة عم نصر ويقول أحدهم ساخرا "هي الشقة دي اتحرقت قبل كده"، وحين يغضب منهم يقول له ممس "ميبقاش قلبك زي وشك".


ثقافة استعمارية
يرى العديد من النقاد أن السينما المصرية ارتبطت في بدايتها بالثقافة الاستعمارية العنصرية السائدة، والتي تعتبر أصحاب البشرة السمراء أقل مكانة من البيض، إلى جانب سعي الاحتلال لتشويه وتحقير الشخصية المصرية البسيطة، في ظل سيطرة واسعة للأجانب على صناعة السينما في مصر خلال النصف الأول من القرن العشرين.

ويشير الناقد أحمد رأفت بهجت في كتابه "اليهود والسينما في مصر" إلى أن شخصية النوبي عثمان عبد الباسط التي قدمها الكسار في مسرحياته وكانت وسيلة لتأكيد حق النوبي المسحوق في الحياة وإظهار فضائله، تجردت مع انتقالها إلى السينما على يد اليهودي توجو مزراحي من كل إيجابياتها، وتحول عثمان إلى رجل أحمق شديد التهور زير نساء، مما أتاح ترسيخ المفاهيم السلبية عن الشخصية النوبية والمصرية بشكل عام.

كما يرجع بعض الخبراء تنميط ذوي البشرة السمراء في أغلب أفلام ما قبل 1952 إلى تجسيد الطبقية والتهميش السائد في تلك الفترة، حيث كانوا يمثلون قوام العمالة المنزلية في أغلب قصور الملك والأمراء والأغنياء، كما أن هذا النمط استمر في أفلام ومسرحيات ما بعد 1952، بحسب الناقد محمد رفعت في كتابه "الآخر بين الرواية والشاشة".

بينما يرى آخرون أن بعض صناع السينما يستغلون هذا التنميط لإكساب أعمالهم نوعا من الفكاهة، لجذب شريحة أكبر من الجمهور، والتي تجد متعتها في "الإفيهات" والسخرية من المختلفين عنهم، خاصة في ظل عدم اعتراض الرقابة الفنية على هذه المشاهد.

ويحذر خبراء من أن اعتياد الناس على هذه الصورة النمطية التي تقدمها السينما -جنبا إلى جنب مع باقي وسائل الإعلام- جعلت من الصعب تغييرها وأنتجت أجيالا جديدة لديها انحرافات فكرية عنصرية، مما يتطلب من كتاب الدراما والسينما التخلي الفوري عن هذه الصورة المشوهة وتقديم بديل مختلف يدين العنصرية ويبرز مساوئها.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية + مواقع التواصل الاجتماعي