رفع علم مصر في الأقصى والاحتلال احتجزه وضربه.. الرحالة عبدول يروي للجزيرة نت حكايته من القدس

القدس المحتلة – "احتجزوني في حمّام قذر، ضربوني في كل أنحاء جسدي، وأحدهم هددني بالقتل"، هكذا يروي الرحالة المصري الشاب عبدول طعيمة (24 عاما) تفاصيل اعتقاله قرب المسجد الأقصى واعتداء قوات الاحتلال عليه، قبل أن تسلمه قرارا بالإبعاد عن الأقصى 15 يوما.

لكن المفارقة أنه عاد بعد الإفراج بساعات، ليلتقط صورة أمام قبة الصخرة بذراع يسرى مصابة، ويمنى ترفع شارة النصر، تعلوهما ابتسامة عريضة، وينشرها على حسابه الشخصي قائلا "رغم إبعادي، مش متزحزح قاعد فيها، خاوة".

اقتبس عبدول لوصف صورته كلمات مقدسيّة رائجة توحي بالتحدي والصمود، وطبقها فعلا على الأرض، فقد التقته الجزيرة نت قبيل ليلة 27 رمضان داخل المسجد الأقصى، حيث أصر على تخطي الإبعاد واغتنام تلك الليلة المباركة، وما رافق ذلك من مغامرات ومحاولات مختلفة لدخول المسجد قائلا "طعم دخول الأقصى تهريب أفضل من دخوله بالطريقة العادية".

عبدول برفقة أطفال مقدسيين حيث عمد إلى رفع العلم المصري وتوزيعه في الأقصى (مواقع التواصل الإجتماعي)

6 سنوات من صناعة المحتوى

كتب الشاب المصري تلك الجملة لمتابعيه على منصات التواصل الاجتماعي، حيث يتابعه أكثر من مليون متابع، غالبيتهم العظمى على تطبيق فيسبوك، بينما ينشط أكثر على منصة إنستغرام التي نشر عليها عشرات المقاطع المصورة (قصص)، تتحدث عن فلسطين والقدس والمسجد الأقصى.

"هاتلي سبب واحد يخليك ما تسافرش فلسطين، ما تفطرش في الأقصى"، هكذا افتتح عبدول إحدى مقاطعه المصورة، فقد اتخذ جملة "هاتلي سبب واحد يخليك" لازمة لمعظم المقاطع على منصاته التي أطلقها عام 2016، وبدأ بنشر محتوى ترفيهي من خلالها عن أسفاره حول العالم.

يُعرّف عبدول -الذي يحمل الجنسية الأميركية- نفسه بأنه رحالة وصانع محتوى وأفلام، ويقول للجزيرة نت إنه سافر إلى أكثر من 60 دولة، لنقل عاداتها الاجتماعية والغذائية، ويصوّر قوالب مختلفة كسؤال الشارع، وتجارب اجتماعية، ويوثقها على حسابه في يوتيوب.

لحظة اعتقال قوات الاحتلال لعبدول قرب باب المجلس وتكبيله بالأصفاد (تصوير أمين صيام)

أسباب الزيارة

سافر الرحالة المصري إلى فلسطين للمرة الأول في يناير/كانون الثاني من العام الجاري لمدة أسبوع، زار فيها القدس ورام الله والخليل ونابلس، ورغم مدة الزيارة القصيرة فإنه تعرف على أصدقاء جدد كانوا بمثابة عائلته الثانية، حتى إنه تأثر باكيا عند مغادرته كما قال.

وعن أسباب زيارته قال عبدول "زيارة فلسطين هي حلم كل طفل عربي، وكانت حلمي على الدوام، زرتها المرة الثانية في بداية شهر رمضان، لأعيش أجواء الاعتكاف والسحور والإفطار، سأغادرها وأنا حزين بعد انقضاء الشهر، مع نية العودة القريبة، وربما تكون خلال أسابيع قليلة".

وقال إن السبب الثاني للزيارة كان رغبة عبدول في إظهار الوجه الآخر لفلسطين والقدس تحديدا على منصات التواصل الاجتماعي، موضحا أن المتابعين العرب يرون دائما جانب الحرب واعتداءات الاحتلال، فأراد أن يضع المجهر على حياة المقدسيين اليومية، وأشهى أطباقهم، ونفحات مقدساتهم في المسجد الأقصى وكنيسة القيامة، ويشجع الناس على زيارتهما.

تمثيل المصريين والتعبير عن حبهم للقدس وأهلها، كان السبب الثالث لعبدول، حيث رفع علم مصر في المسجد الأقصى، ووزع هدايا تذكارية بألوان العلم المصري للمصلين والأطفال.

كما كان يخرج ببث مباشر يوميا من داخل الأقصى أو خارجه، وظهر في مقاطع عديدة وهو يقلب طبق "المقلوبة"، ويشارك في اجتماعات المقدسيين واحتفالاتهم عند باب العامود الذي سماه (داون تاون القدس).

الصورة الأولى التي نشرها عبدول بعد الإفراج عنه وتظهر إصابة يده (مواقع التواصل الاجتماعي)

أصول فلسطينية

"ناداني المقدسيون طعمية مازحين، معتقدين أن اسم عائلتي يعني الطعمية (الفلافل)، لكن اللفظ الصحيح هو طعيمة، وهي من عائلات مدينة المجدل بعسقلان، التي تقع في الساحل الجنوبي لفلسطين وإليها ترجع أصولي".

يقول عبدول ذلك ويبيّن تأثره بكرم الضيافة والترحاب في فلسطين والقدس، قائلا "إذا سمعني أحدهم أتكلم اللهجة المصرية يستوقفني للتعرف علي، ونتحدث بالساعات دون أن نشعر بمرور الوقت".

ورغم حرصه على إظهار الجانب المشرق في القدس، فإن الجانب الآخر غلب بقوة خلال اعتكافه في الأقصى، وكان شاهدا على قمع قوات الاحتلال للمعتكفين وإصابتهم، أثناء اقتحامها المسجد الأقصى بداية ومنتصف شهر رمضان، لكن عبدول واصل اعتكافه، وعمد إلى جمع بقايا قنابل الغاز والرصاص المطاطي الذي ألقاه الاحتلال تجاه المصلين، والتقاط صور تذكارية بجانبها.

أصر عبدول على دخول الأقصى رغم إصابته وإبعاده عنه (الجزيرة)

ذكرى الاعتقال

ذاق عبدول مرارة الكأس الذي يذوقه المقدسيون يوميا، فاعتقلته قوات الاحتلال السبت الماضي 24 أبريل/نيسان، أثناء توجهه للصلاة في المسجد الأقصى عبر باب الناظر/المجلس. ويستذكر لحظة اعتقاله للجزيرة نت قائلا "منعوني من دخول الأقصى من دون سبب، فأصررت على الدخول، وتجمعوا حولي لردعي وأبعدوني 10 أمتار إلى الوراء، فتدخل المقدسيون لحمايتي، و اعتدى الاحتلال على مُسن من بينهم".

يتابع عبدول "خنقوني ولكموني وقيدوا معصمي بالأصفاد، هددني أحدهم بقتلي، شتموني بأقذر الألفاظ، ثم اقتادوني إلى مركز الشرطة، وهناك احتجزوني في حمام قذر صغير، اجتمع عليّ 5 جنود وضربوني في كل أنحاء جسدي، ساءت حالتي فأخذوني إلى مستشفى إسرائيلي حيث عاملوني بإهمال وكتبوا في التقرير الطبي أن ما حدث معي كان نتيجة شجار".

أُخلي سبيل عبدول بعد 8 ساعات من اعتقاله، وتسليمه قرار إبعاد عن الأقصى ومصادرة هاتفه ومبلغا كبيرا من المال كما قال للجزيرة نت.

وختم قائلا "عدت إلى الأقصى من جديد لأن الصلاة فيه من حقي، هذا لجميع المسلمين، كيف يأتي غريب ويقول لي ابتعد عن بيتك؟ لم اعترف بقرار الإبعاد لأن وجود الاحتلال باطل في القدس، هذا تحد بيننا إما وجودنا أو وجودنا، لا يوجد خيار ثالث".

المصدر : الجزيرة